عروبة الإخباري –
برس بارتو – زلفا عسّاف –
في قلب بيروت التي تتنفس على إيقاع الانتظار، ينبعث طيف الشرق من مسرح كركلا ، كأن شهرزاد قد عادت لتروي، لا لتُنقذ نفسها هذه المرة، بل لتُنعش ذاكرة وطنٍ أتعبه النسيان.
السينوغرافيا التي صممها جوليانو سبينيلي لم تبنِ مسرحًا، بل أعادت تشكيل الذاكرة البصرية الشرقية. ستائر كالحرير تُفتح على عوالم أسواق بغداد، وقصور شيراز، وأنين الغجر في الحارات. وتلاحق الإضاءة التي نفّذها جياكوبو بانتاني تنفّس الحكاية، وتُلقي ظلالًا على أرواحٍ تتحدث بالأجساد لا بالكلام.
أليسار كركلا لا تبتكر مجرد حركات؛ بل تُسائلُ الجسد عن سرّ الحكاية، فتُخرجه من دائرة الأداء إلى مقام الشهادة. الرقصة هنا ليست زينة مشهد، بل شهادة على عصرٍ كامل. هذا كله يجري تحت إخراج إيفان كركلا ورؤية المعلّم عبد الحليم كركلا صاحب السيناريو وتصميم الملابس والمشرف الفني، يقود اللمسة الفنية للعمل.
على وقع موسيقى نيكولاي ريمسكي كورساكوف (“شهرزاد”) وموريس رافيل (“بوليرو”)، والتي أعاد رضا عليغولي توزيعها بلغة الشرق، تنبعث الحكاية. القانون يهمس في أذن الباليه، والناي يُعاتب التشيلّو، فتتزاوج آلات الشرق والغرب لتلد نغمةً جديدة.
ليس حضور هدى حداد وجوزيف عازار استعراضًا، بل طقسًا. حين يغنيا تصمت القصص لتُصغي، وتخشع الدهشة في حماسة الجمهور. يُرافقهما في البطولة كلّ من غابرييل يمّين(الراوي) ، وسيمون عبيد.
بينما ليا أبو شعيا، جورج خوند، فرانسوا رحمة، أديب أبو حيدر وبول العسل فينسجون حضورهم ضمن نسيج فني نابض.
نعم، القصة معروفة. ولكن كركلا لم يأتِ ليسرد ما نعرف. بل جاء ليُعيد تشكيل إحساسنا بما نظن أنّنا نعرفه. شهريار ليس ملكًا. هو الوطن. وشهرزاد ليست راوياً. هي الذاكرة.
العرض، الذي يمتد على مدار 84 دقيقة، ويختتم بالعودة الى التراث اللبناني والاحتفال بلبنان بلوحات تحاكي الاصالة ومع إطلالة خاصة لعميد الفلكلور عمر كركلا، لا يُغادر المتفرج عند خروجه من المسرح، بل يبقى فيه. في جسده، في قلبه، في طريقته في الإصغاء. كركلا لا يقدّم حكاية فقط بل يُعلّم كيف نرويها.