لا يضع حدا للهيلمان إلا الكف عن الحلفان، وما سبق حلف اليمين وتبع الحنث به من أدلة وقرائن وشواهد فيها نظر! نعم الحنث باليمين كما اليمين الكاذب كما شهادة الزور بعضه من بعض. اليمين، مجرد الاستعداد للقسم أمر جلل في الكتب السماوية كلها، ويفترض ألا يكون حلفان اليمين وأداء القسم إلا عند تولي مسؤوليات أو مهامّ تستدعي ذلك من الناحية القانونية، فالله أعلم بما في الصدور وهو رغم ذلك من محبته وحكمته لا يحاسب على النوايا إلا إن كانت حسنة وفق بعض الدارسين الباحثين ولا أقول العلماء.
سبحانه وحده علّام الغيوب وما تضمره الصدور، لكنه من رحمته بنا كبشر، جبلنا على ما لا تقوى ولن تقوى أبدا الجوارح على كتمانه. حتى أجهزة كشف الكذب ومن تدربوا على المرور منها يقرون ويعترفون أن الحقيقة أقوى من الكذب بكل أشكاله وألوانه وما عادت الكذبة تصنف أو تقاس كما كان زمان أبيض وأسود، فلا وجود لكذبة بيضاء تسودّ بعدها الوجوه. الملونون المتلونون الذين استطاعوا صناعة وتوليف وترويج سرديات تبيح التحالف بين أكثر الألوان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية تناقضا -أقصى اليمين مع أقصى اليسار، وقمة الانغلاق مع قمة الانفتاح والانشراح! لا يستبعد الدارس لنشاطاتهم المعلنة والخفية أو المستترة خلف قناع أو لثام، لا يستبعد رصد وتوثيق العجب العجاب، وما غريب إلا الشيطان الذي يكمن بالتفاصيل دائما تقيّة وانتهازية وغدرا.
للأسف يتعمد إعلام الأجندات المشبوهة وصحافة «الدفع قبل الطبع» يتعمدون -والصحافة الحرة النزيهة الوطنية الملتزمنة منهم براء- يتعمدون التعتيم والاجتزاء والاختلاق والتزييف والتضليل حتى يحار في أمرهم اللبيب. كيف لمن يدعي التدين لا بل والأصولية والتشدد أن يتحالف في مسيرات أو تحالفات حزبية، نقابية أو برلمانية في الغرب والشرق مع أكثر الناس انتهاكا لحرمات الأديان كلها وأخلاق الحضارات جميعها. فضيلة ورذيلة «دونت مكس»، بمعنى لا تلتقيان من أصله حتى تختلطان! القزحيات التي شطحت في سنوات اليسار المنحل المختل في الغرب وتغولت حتى أتت بتسونامي اليمين على أكثر من ساحة، لا يعقل أن يجد ملاذا وحليفا لذوي الرايات الصفر والخضر والسود!
ثمة خطيئة وخطأ. ثمة خلل وعطب. ثمة ازورار وعوار، وثمة تيه يتجاوز الأربعين جيلا لا عاما. من الكارثة غياب ثقافة الإقرار بالخطأ ومن ثم الاعتراف بالذنب. ومن بعد الاعتذار، تصحيح المسار فتصويب الخطأ، أو أقله عدم عرقلة جهود التصويب والإصلاح. تعلمنا من كبارنا في الدار والديرة، تعلمنا أن الحق أولى أن يُتّبع، فَلِمَ المكابرة وعلى من الكِبَر؟
هذه هي الحقائق فيما يخص المشهد الوطني الراهن:
ثقة الأردنيين في الوطن والمهجر بسيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني والهواشم ثقة مطلقة. ثقتنا بدائرة المخابرات العامة وسائر أجهزتنا الأمنية وقواتنا المسلحة ثقة مطلقة. مما يعني صدق ودقة إشارات ملكية سامية أطلقها سيدنا قبيل الكشف للرأي العام عن مخططات الإرهاب الآثمة، «مش عيب عليهم». وقد أتت الأخبار الأخيرة، بعد الصفح والصبر الجميل، كما نعلم شروطه وأبعاده، العقائدية واللغوية.
كانت في جلسة مجلس النواب التاريخية الإثنين فرصة للتراجع، للوقوف وقفة صريحة، وقفة نيابية «إخوانية» موجزة لا إطناب فيها، كلماتها خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان، مفادها -هكذا تمنيت- بأن ما جرى بيد القضاء بعد شكر المخابرات والتبرؤ علانية وبلا تحفظ من جميع المتهمين في حالة إدانتهم قضائيا، ومن معهم ومن تعذر لهم، سواء من الجماعة أو الحزب أو أي اتجاه إسلامي أو غير إسلامي. ولتلك الأصوات النكرة التي تنعق وتنفث السم من خارج الحدود، كان بالإمكان إبلاغها من تحت القبة الأردنية الهاشمية في العبدلي بعمّان العرين الهاشمي العبدليّ، بأن الأمر كله شأن وطني لا دخل فيه لأي كان. وكان بالإمكان وضع استقالة جماعية لجميع أعضاء حزب جبهة العمل الإسلامي بين يدي راعي السلطات الدستورية الثلاث من خلال رئيسي مجلسي الأعيان والنواب ورئيس الديوان الملكي الهاشمي العامر كخطوة رمزية وطنية تكون فيها رسالة مزدوجة للخارج قبل الداخل بأننا جميعا «أردنيين وما نِنْظامْ ومهرك يا الاردن غالي» بالرّمثاوي الحوراني لمطرب الأردني الراحل متعب الصقّار، من كلمات شاعر الأردن الكبير الذي غادرنا مبكرا هو أيضا الأخ الحبيب، حبيب الزيودي عليهما رحمة الله. بورك الأداء الأردني الوطني الرائع الذي تجلى في جلسة الإثنين. «يعيش جلالة الملك، والكل يقف».. يحيى الأردن ولفريق من المعاتَبين الغائبين سمعنا نداء «اطلعوا من هالطوابق» و»اللي ما يحب سيدنا ويكون وحده كبيرنا، «ينقلع من البلد». صح لسان النشامى، فبعض الحوادث والأحاديث لا يجوز الحكي فيها إلا بالأردني، وبالعين الحمرا..
من غير حلفان قد آن الأوان، أوان الحل.. اللهم مجلسا وطنيا استشاريا في حال حل المجلس والإعداد لقوانين انتخابات وأحزاب أكثر ضبطا وربطا.. اللهم حل وحظرا تاما لأي جماعة أو حزب غير أردني.
والأمر كله بين يدي سيدنا، حفظه الله ورعاه وأدامه «بيرقنا العالي» كما في هتافات أم الجامعات الأردنية، حيث منارة وشعار «ويعلّمهم الكتاب والحكمة»..
من غير حِلْفان! قد آن الأوان* بشار جرار
3
المقالة السابقة