عروبة الإخباري –
من بين ضجيج التحليلات والآراء، تخرج بعض الأصوات بروح مختلفة. لا تصرخ، بل تهمس. لا تهاجم، بل تُصلح. تسير في دروب الصحافة لا طلبًا للشهرة، بل بحثًا عن نورٍ يُضيء ولو جزءًا من ظلمة، رلى هاني السماعين، ذلك الصوت الذي يعرف أن التحدي الأكبر ليس نقل الخبر، بل تطهير الكلمة من كل شائبة، وإيصالها كرسالة رحمة وسلام.
فالإعلامية، رُلى السماعين، هي راوية لحكاية شرقٍ يبحث عن ذاته في خضمّ العواصف. امرأة كتبت عن الأديان، لا من وراء المكاتب، بل من عمق الميدان، من القرى والمحافظات، من عيون الأطفال والكبار، من كل من آمن أن الدين لله والوطن للجميع.
وحين تتلاقى هذه النية النقية مع مساحات الحوار بين الأديان، يتحول العمل الإعلامي إلى فعل روحي، وتصبح الكتابة كأنها صلاة تُرفع إلى السماء، ومن قلب الشرق، من أرضٍ لم تعرف الصراع الدموي باسم الدين، خرجت تجربة إعلامية تُثبت أن العيش المشترك ليس حلمًا، بل واقع يمكن توثيقه، مشاركته، والإيمان به.
السماعين، وعبر سنواتها الطويلة في بلاط صاحبة الجلالة، لم تخلُ رحلتها من إنجازات، ولكن إنجازها الأهم كان ولا يزال: القدرة على الإصغاء للوجدان الإنساني قبل الأذن، والغوص في عمق المواضيع الدينية بروح منفتحة وبعينٍ ترى الإنسان أولًا.
ولعل من أبرز تجليات هذه الروح، اللقاء الذي غيّر مجرى حياتها ومسار الصحافة الروحية في الشرق الأوسط، حين التقت قداسة البابا فرنسيس، لم يكن هذا اللقاء مجرد حدث إعلامي، بل كان لقاء الأرواح، حيث أدركت رُلى السماعين أن للحقيقة طيفًا من النور لا يُرى إلا بنقاء القلب. وقفت هناك، بين آلاف الحضور، لكنّ قلبها وحده كان ينطق؛ وعندما قالت للبابا “الرب قريب”، أجابها: “صلي لأجلي”، في لحظة استثنائية اختُصّت بها لأنها كانت نزيهة في نيتها، صادقة في رسالتها، وأردنية في هويتها الأصيلة.
لم تتوقف عند اللقاء، بل حملت كتابها – وثيقة حية عن عشر سنوات من الحوار في الأردن – إلى الفاتيكان. لم تكن تسعى إلى شهرة، بل كانت تحمل رسالة شعب، وقيم وطن، وتجربة دولة استطاعت أن تعيش التعدد بسلام دون أن تسقط في فخ الانقسام. وها هو البابا، من بين آلاف الكتب التي تُقدَّم له، يمنح كتابها وقتًا، وينصت إليه كمن يقرأ شهادة على إمكانية العيش المشترك في زمن القسوة والانقسام.
هذا اللقاء لم يمنحها فقط لحظة فخر، بل حمّلها مسؤولية أكبر: أن تستمر، أن توصل صوت الحوار، أن تؤمن بأن التغيير يبدأ من كلمة صادقة، وأن الإصغاء هو أولى خطوات السلام. وقالتها بكل وضوح: “الأردن لم يُسفك فيه دم باسم الدين، وهذه أعظم شهادة يمكن أن نُقدمها للعالم”.
وفي عالم تتنازعه الانقسامات، تظهر رُلى كشعلة مضيئة، تؤمن أن الحوار ليس رفاهية، بل ضرورة للنجاة، وأن الصحافة يمكن أن تكون منبرًا للسلام لا مجرد وسيلة للخبر.
هي ليست صوتًا فقط، بل صدى لقلوب كثيرة تؤمن أن الكلمة الطيبة تبني ما تهدمه السياسة، وأن الروح حين تُصغي، تُلهم.