عروبة الإخباري –
في صباحٍ مهيبٍ من نيسان، أسدل القدر ستاره على فصلٍ استثنائي في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية والعالم، برحيل قداسة البابا فرنسيس، الذي انتقل إلى رحمة الله عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد حياة مليئة بالعطاء، والرحمة، والبحث عن السلام في عالم متعب.
البابا فرنسيس، كان صوتاً لمن لا صوت لهم، ويداً تمتد إلى المهمشين، وقلباً نابضاً بالحب الإلهي. أتى من بوينس آيرس، متواضعًا، وديعًا، مرتديًا بساطة اليسوعيين لا بهرج الكرادلة، ليحمل على كتفيه همّ الإنسان، كل إنسان.
في كل عظة، كان يزرع بذور الرجاء، وفي كل لقاء، يشعل شمعة في عتمة الحروب والفقر واليأس. تحدّث عن البيئة كما يتحدث عن الروح، وعن الرحمة كما يتحدث عن العدالة. كان يبكي مع من يبكون، ويبتسم لكل من طرق أبواب الفاتيكان طلبًا للسلام أو العزاء.
وكان للبنان، ذاك الوطن الصغير بحجمه والكبير برسالته، مكانٌ خاصٌ في قلب البابا فرنسيس. أحبّه، كما يُحب الراعي خرافه، ورأى فيه شعلةً مضيئةً في ظلمات الشرق، وطنًا يحمل رسالة تعايش وسلام. ما فتئ يُصلي من أجله، ويؤكد: “لبنان أكثر من وطن، إنه رسالة حرية، وهو مثال على التعددية بين الشرق والغرب” . وكان يحلم بزيارته، لا ليباركه فقط، بل ليحتضن شعبه المتألم ويُعيد إليه الأمل من قلب الحطام.
بكى العالم اليوم على رجل لم يعرف الحواجز بين الأديان، ولا بين القارات، ولا بين الغني والفقير. كان رسولًا لزمننا، يدعونا لنعيش الإنجيل لا كقانون، بل كحياة. كان يردد: “الكنيسة ليست متحفًا للقديسين، بل مستشفى للخطاة”، فكان طبيبًا للقلوب العطشى للغفران، وللعالم الجائع للحنان.
واليوم، إذ ترتفع أجراس كاتدرائية القديس بطرس حزينة، وترتدي الأرض ثوب الحداد، فإن السماء تحتفل بعودة ابنها الذي أحبّ الله في الناس، وأحب الناس في الله. ربما تُقام الجنازة على الأرض، لكن روح البابا فرنسيس تعود اليوم إلى حيث السلام لا يُنتهك، إلى حضن الآب الذي طالما بشّر به.
رحل البابا فرنسيس، لكن وصاياه باقية: لا تخافوا من المحبة، لا تتعبوا من التسامح، ولا تتخلوا عن الأمل، فالله يسير مع البسطاء، ويسكن في القلوب المنحنية.
وداعًا يا راعي القلوب، وسلامٌ لروحك الطاهرة التي ستبقى تهيم فوق مذابح العالم، وتزور لبنان كما كنت تحلم، تبارك، وتغفر، وتدعو إلى المحبة الأبدية.