عروبة الإخباري -كتب : اشرف محمد حسن –
عندما ذهب نبي الله موسى (عليه السلام) إلى لقاء ربّه في جبل الطور بسيناء بعد أن استخلف أخاه هارون عليه السلام على قومه، وأخبرهم أنه سوف يغيب لمدة ثلاثين يومًا، لكن الله تعالى زاد المدة إلى أربعين ليلة، فلما تأخر موسى عن الموعد الذي أخبر قومه به؛ قالوا أن موسى قد أضّله الله فضّلوا، وكان من بين بني إسرائيل رجل ضال يدعى السامري وهو من كبار القوم واكثرهم ثراء أراد قيادة قومه وتحقيق اكبر المكاسب المادية منهم وجعلهم اتباع له فصنع لهم عجلاً مُذهبًا فيه خوار -أي ثقب يدخل منه الهواء فيُخرج صوتًا-، فأتى السامريُّ القومَ وعرض عليهم العجل، وقال لهم أن هذا هو ربهم، ففُتنوا به وصدقوه، وعبدوا العجل من دون الله، على الرغم من محاولات هارون -عليه السلام- ردهم عن ضلالهم، حتى هددوه بالقتل، وقالوا أنهم سيظلون يعبدون هذا العجل حتى يرجع موسى وفي هذا الزمان صنعت الصهيونية العالمية مرياعاً لكافة دول العالم وقياداتها واسمته الولايات المتحدة الامريكية وقامت كذلك بصناعة عدة شخصيات وقيادات وادارات لتقوم بتبديلها وفق مصالحها .
اذكر هنا بتصريح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوسائل اعلام روسية في يداية شهر شباط/2025 م هاجم فيه الزعماء الأوروبيين بشدة، كما أشار خلالها الى اعجابه بشخصية ترامب حيث قال إن ترامب سيستعيد النظام بسرعة كبيرة عبر شخصيته، وإن النخب الأوروبية سترضخ لأوامره كما أضاف أن النخبة السياسية الأوروبية حاربت ترامب وتدخلت في الانتخابات الرئاسية الأميركية وأصيبت بالارتباك عقب فوزه، على حد وصفه، وقال إنها “ستقف قريبا عند أقدام سيدها وتهز ذيولها بلطف” .
كما أشار الرئيس الروسي آنذاك إلى أن النخب الأوروبية كانت تفضل (الرئيس الأميركي السابق) جو بايدن لكن ترامب لديه مفاهيم مختلفة منها ما هو جيد وما هو سيئ، بما في ذلك “الجندر” (قضايا التحول الجنسي) وبعض القضايا الأخرى، مؤكدا أن الأوروبيين لا يحبون ذلك وقال بوتين إنه من الواضح أن ممثلي النخب الأوروبية يفعلون شيئا لا يعنيهم، مشيرا إلى أن القادة الأوروبيين في الماضي كانت لديهم الشجاعة للقتال من أجل آرائهم الخاصة، في حين اليوم لا يوجد مثل هؤلاء الأشخاص .
على ما يبدوا ان ذلك بدأ بالتحقق، فبعد ان خفض دعم الولايات المتحدة لإوكرانيا في حربها ضد روسيا والتي قامت الإدارة الامريكية السابقة بتوريط معظم الدول الأوروبية فيها سارع ترامب الى الضغط بثقله من اجل الحصول على صفقة المعادن الأوكرانية لضمان الحصول على كافة الأموال التي انفقتها الولايات المتحدة في هذه الحرب وتحقيق ارباحاً مالية من هذه الصفقة بينما جعل دول الاتحاد الأوروبي تتخبط في قضايا زيادة الانفاق العسكري في بلادها بالإضافة الى رفع حجم الدعم المقدم لاوكرانيا لتعويض فرق الدعم الأمريكي الذي تم تجميده الامر الذي شكل عبئاً اضافياً عليها دون حصولها على اية منافع مالية تماما كما فعلت سابقاً حيث قادت الدول الأوروبية بناءً على تقارير استخباراتية أمريكية اتضح لاحقاً انها كاذبة في عام 2003 م لإسقاط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين واحتلال العراق لنهب ثرواته وزرع قواعد عسكرية لها في مواقع متقدمة بهدف سحب البساط من تحت اقدام باقي الدول الأوروبية بحيث أصبحت القوة الأكبر عالمياً وبذلك ضمنت المزيد من تبعية اغلب قيادات دول العالم لها ولعل ان ما يحدث من حرب إبادة شاملة في غزة والضفة الغربية امام سمع وبصر المجتمع الدولي بشكل عام دون ان يستطيع ردع الكيان الصهيوني رغم انتهاكه لكافة المعاهدات والأعراف والقوانين الدولية خير دليل على ذلك ومثالاً على ذلك ايضاً عدم استطاعة فرنسا حماية منطقة نفوذ بالنسبة اليها كلبنان من عدوان الكيان الصهيوني المتكرر عليه بالإضافة عدم استطاعة أي من الدول حماية قوات اليونيفيل من الاعتداءات الصهيونية المتكررة عليها كون ان الولايات المتحدة الامريكية والصهيونية لم تأذن بذلك .. !
حول تراجع أداء الأسواق الامريكية عقب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الواردات قال ترامب إن قادة أوروبا باتوا يرغبون في التفاوض عقب دخول الرسوم الجمركية على بضائعهم حيز التنفيذ، مؤكدا أنه لن يفاوضهم حتى” يدفعوا مبالغ طائلة للتعويض على استغلال الولايات المتحدة لعقود” أي (دفع الجزية صاغرين) حيث وصف ترامب الرسوم الجمركية الشاملة، بأنها “دواء يهدف إلى معالجة أمراض الاقتصاد الأميركي”، معلنا أنه غير قلق بشأن الخسائر التي أفقدت أسواق الأسهم في أنحاء العالم تريليونات الدولارات من قيمتها .
كما كشفت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين جان بيير، عن مفاجأة دبلوماسية كبيرة، حيث أعلنت أن ما يقرب من 70 دولة تتسابق للتواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية رغبةً في بدء مفاوضات. هذا الإقبال الكثيف يطرح تساؤلات هامة حول طبيعة هذه المفاوضات وأسبابها، وما هي الملفات التي ستكون على طاولة البحث وكانت وقد وصفت الناطقة باسم الحكومة الفرنسية صوفي بريماس في تعليها الاولي على قرارات ترامب الاقتصادية “ترامب يتصرف كأنه سيد العالم، إنه موقف إمبريالي كنا قد نسيناه إلى حد ما، لكنه يعود بقوة وبعزيمة كبير” .
عقب الحرب العالمية الثانية أنشئت في عام 1945 م الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب ميثاق الأمم المتحدة بوصفها الهيئة الرئيسية للتداول ورسم السياسات والتمثيل في الأمم المتحدة والتي قامت الصهيونية العالمية بتضليلها وابتزازها بانشاء الكيان الصهيوني عام 1947 م والذي اسموه “إسرائيل” بدعم من الدول التي انتصرت في الحرب كما تم انشاء مجلس الامن الدولي وهو الذراع الأقوى للأمم المتحدة، والأداة الأبرز لتكريس هيمنة القوى العظمى في العالم، وفرض إرادتها على دول العالم الثالث. من أهدافه الحفاظ على السلم الدولي، وحل النزاعات، وفرض احترام القانون الدولي ولو عبر اتخاذ إجراءات عسكرية ويتكون من 15 عضواً من أعضاء الأمم المتحدة ينقسمون إلى خمسة أعضاء دائمين وعشرة أعضاء يتم انتخابهم بواسطة الجمعية العامة لمدة سنتين، ولا يجوز إعادة انتخاب أحدهم مباشرة لمدة أخرى، ويوجد ممثل دائم عن كل عضو في مقر الأمم المتحدة طوال الوقت لتحقيق مبدأ “الاستمرارية” الذي يعد المحرك الرئيسي لإدارة مجلس الأمن. والدول الأعضاء الدائمة هي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا ثم الصين وهذه الدول فقط تستطيع تهميش المجلس اذا كانت هناك قضايا تتعارض مع مصالح أي من هذه الدول بامتلاكها لحق النقض (الفيتو) .
عملت الصهيونية العالمية على تفكيك الاتحاد السوفييتي لتكريس هيمنة الولايات المتحدة والتي استطاعت الاحتيال على باقي الدول ومد نفوذها خاصة لدى الدول الأوروبية والعربية وسلب ارادتها ومقدراتها شيئا فشيء الى فقامت بالاحتيال عليها بشكل واضح خلال الفترة من عام 2001 م وحرب واشنطن على ما اسمته بالإرهاب آنذاك الى عام 2003 م واحتلال العراق وسحب البساط من تحتها حيث لم تعد هذه الدول تناقش بل أصبحت تخشى ان تقرها احدى الإدارات الامريكية او الصهيونية كدولة داعمة لما تسمية بالإرهاب وصولاً الى افقادها الإنسانية والاحساس خلال حرب الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني المدنيين في قطاع غزة والضفة الغربية فلم تتجرأ هذه الدول على أي عمل حقيقي لردع العدوان الصهيوامريكي الا ان هذه الدول وبشكل عام لم تستطيع الوقوف للدفاع عن نفسها وعن المنظومة الدولية فهي أصبحت مملوكة للصهيونية العالمية دولاً بل وحتى بشرً فلم تعد تتعامل مع كافة الدول او قادتها بشيء من الدبلوماسية او حتى احترام فبالنسبة لهم انهم مجرد عبيد وعليهم تقديم المزيد من القرابين من اجل نيل الرضا فقط ، واهم دليل على ذلك تصريحات ترامب خلال حفل عشاء اللجنة الوطنية الجمهورية للكونغرس في واشنطن، حيث قال نصاً: “أقول لكم، هذه الدول تتصل بنا، وتتملقني (يقبّلون مؤخرتي) وإن قادة الدول يتواصلون معه “ويتوسلون” من أجل التوصل إلى اتفاق من فضلك، من فضلك يا سيدي. فلنبرم أي صفقة، مستعدون لفعل أي شيء سيدي”. قالها ترامب وهو يقلد توسل أحد الزعماء” على حد قوله فهو ينتظر من العالم ككل ان تقدم القرابين وتدفع الأموال دون نقاش” كون ان الصهيونية العالمية قد عملت على افراغ هيئة الأمم المتحدة من اية قيمة لها بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من الهيئات التابعة لها دون ان تقف أي دولة ضد هذه الممارسات حتى باتت هذه الكيانات والدول عاجزة في الدفاع عن مصالحها وحتى عن ذاتها ولا تملك سوى تقديم الأموال والقرابين الى الآلهة “العجل” الذي صنعته الصهيونية العالمية لهم كي يعبدوه دون نقاش ويقدمون له القرابين والأموال لكي يرض عنهم ويمنحهم شيء من الوقت أي يؤجل استهدافهم المباشر، انهم حقاً.. من لا امان.. ولا عهد لهم
لا عهد لهم.. صنعوا العجل مجدداً..!
12
المقالة السابقة