عروبة الإخباري – طلال السكر –
في مقالها العميق والرصين “لبنان وصندوق النقد: بين الإصلاحات القسرية ومصير الودائع المجهول”، تبرع الكاتبة *نوال الأشقر* في تقديم تشريح دقيق ومتوازن لأحد أكثر الملفات اللبنانية تعقيدًا وحساسية. بأسلوب سلس ومتين، استطاعت أن تُخرج النقاش من دائرة الشعارات والاتهامات، إلى مربع التحليل الرصين المبني على المعطيات، ما يجعل المقال مرجعًا مُضيئًا لكل متابع جاد للشأن المالي اللبناني.
تميزت الأشقر في مقاربتها للملف من زاويتين متوازيتين: الأولى تقنية بحتة تستعرض شروط صندوق النقد وتفاصيل خارطة الإصلاحات المطلوبة، والثانية إنسانية وحقوقية تلامس هواجس المودعين ومخاوف الشارع اللبناني. هذا التوازن، النادر في تناول الإعلام الاقتصادي، يُحسب للكاتبة ويُظهر مدى إحاطتها بخلفيات الملف وتفرعاته.
الطرح الذي تقدّمه الأشقر لا يكتفي بنقل المعلومة، بل يُثير الأسئلة الصعبة، منها ما يتعلّق بمصير أموال الناس، ومنها ما يرتبط بموقف الدولة اللبنانية: هل تملك إرادة سياسية حقيقية لفرض إصلاحات موجعة؟ أم أنّها فقط تدور في فلك المناورة، بحثًا عن جرعة أكسجين خارجية تُطيل عمر الأزمة؟
كذلك، فإن إشارتها إلى التناقض القائم بين شروط الصندوق والواقع اللبناني، لا سيما في ما يتعلق بالسرية المصرفية، ودور مصرف لبنان، وتموضع أصحاب المصارف في معادلة تحمّل الخسائر، تعكس فطنة تحليلية وقدرة على كشف المفارقات البنيوية في الاقتصاد اللبناني، وتُبرز مأزقًا مركبًا يتجاوز حدود أي “وصفة” جاهزة.
أخيرًا، لا يمكن للقارئ إلّا أن يُثني على جرأة وشفافية نوال الأشقر، التي لم تُجامل طرفًا ولم تُصادر رأيًا، بل قدّمت ورقة نقاش حيوية وضرورية في زمن تتناقص فيه المساحات الموضوعية لصالح السجال السياسي. مقالها ليس فقط تحليلًا، بل دعوة هادئة وجادة للتفكير في مستقبل لبنان المالي، وحقوق شعبه.
بكلمة واحدة: مقال نوال الأشقر هو شهادة على كيف يكون الصحافي الاقتصادي صوتًا للناس لا صدى للسلطة أو المؤسسات.