منذ أيام هوليوود الباكرة وزمن أفلام الغرب الأمريكي- أو بالأصح الغرب الجامح «وايْلْد وِست»، عرفنا أن زعيم، وجيه، أو وليّ الأمر في البلدة وحاكمها يسميه الناس «شِرِفْ». كلمة تعود أصولها إلى العربية، وهي الشريف في إشارة إلى أهم قيمة فيما يخص إنفاذ القانون والإدارة عموما ألا وهي الشرف، بمعنى النزاهة، العدالة، المحبة، الرحمة، الشهامة والكياسة. طبعا الصورة الانطباعية مغايرة تماما لبعض المشاهد، سيما في اللقطات السينمائية التي تظهر كيفية إنفاذ ذلك القانون على مخالفيه، على نحو خاص، السُّرّاق ومقترفي جرائم النهب والسلب بالقوة، وقطّاع الطرق.
حتى يومنا هذا ما زالت القيم الأمريكية ما قبل قيام الولايات المتحدة حاضرة في المسرح السياسي الأمريكي، وفي جوانب اقتصادية واجتماعية وثقافية. وقد تم عرضها فنيا في سرديات درامية وثائقية في غاية الروعة، عبر سلسلة وثائقية مفيدة ممتعة على قناة التاريخ، اسمها (قصتنا أمريكا – أمريكا، ذَ ستوري أُفْ أَسْ).
مع تغير الإدارات عقب الانتخابات خاصة البيت الأبيض، يتداول الناس مصطلح «نيو شِرِف إن تاون» في إشارة إلى الرئيس الجديد. بطبيعة الثقافة الأمريكية والنظم السياسية والإدارية سيما القطاع الخاص، يأتي الحاكم أو المدير الجديد بفريقه. في مقدمة معايير الاختيار وتشكيل الفريق هو الولاء قبل التخصص وليس على حسابه، بمعنى أن يتم إعداد العناصر الموالية حتى تضاهي «الحرس القديم»، القديم هنا قد يعني الإدارة السابقة من الناحية السياسية أو الحزبية أو حتى في جناح أو تيار في الحزب نفسه، فلكل «شيخ طريقته» كما يقال. والكل -ولا يقتصر ذلك على الفريق الفني قابل للتغيير، فلا أحد عصي على الاستبدال وإن كانوا بحق خبراء أو مهنيين «مقطوعي الوصف»! تلك سمة تميزت بها التجربة الأمريكية وكانت من أسباب ديمومة النجاح الأمريكي في ميادين شتى.
أخطر ما في الإدارة والسياسة تلك العقلية التي تضع العصي في الدواليب. لكن من يزاحمها على ذلك الموقع البائس هم المترددون، لنقلها بصراحة «المرتجفون». هنا تأتي صورتان مرة أخرى من «الوايلد وست» وهي شبيه لما في صميم الثقافة المشرقية وخاصة العربية ألا وهي القافلة و السابلة. لبلوغ الهدف لا بد من الاسترشاد ببوصلة والأهم قائد الركب الذي يحملها، كانت قديما النجوم في أعالي السماء لا السراب في الأراضي البعيدة! البوصلة كانت وينبغي أن تكون دائما بيد قائد واحد وفريق واحد متجانس متعاضد، التنوع فيه ثراء وإلا صار تشتيتا وتبديدا وبالتالي وَهْناَ. حتى يتحقق الهدف لا بد من الحفاظ على زخم التقدم. لذلك وجب ضبط إيقاع المسير ووجهته. لن تتقدم قافلة ولن تبلغ سابلة وجهتها إن كان هذا ينحرف يمينا وذاك يسارا كلاهما شركاء في الانحراف وتبديد الجهد، تماما كما الذي يسير خطورة إلى الأمام وينكص على عقبيه خطوات إلى الوراء. القافلة ينبغي أن تمضي على الوتيرة التي يريدها القائد. ليست المشكلة فقط في نباح الكلاب الضالة، فهذا متوقع كلما حققت القافلة نجاحات، لكن المشكلة أن يكون بين السابلة من يشاغلها حتى لو رجمها بحجارة وألقمها عظما! وصية الداهية البريطانية السياسي العظيم والخطيب المفوّه ونستون تشرشل معروفة في هذا المقام، حذر من الالتفات إليهم. إن كان من بد، فالأولى الاحتفاظ بالحجارة وتحويلها إلى منصات انطلاق أو لَبِنات بناء وعمران.
الخلاصة، السابلة كما القافلة كما القطار لا ينتظر أحدا، كما قالها يوما وزير الخارجية الأمريكي الأسبق المخضرم جيمس بيكر الثالث ذلك الذي كان متحمسا لصنع سلام حقيقي ودائم في الشرق الأوسط بعد كارثة غزو العراق للكويت. ما يعدّ له الآن في ساحات عدة في العالم، منها «اليوم التالي» شرق أوسطيا، أكبر وأعظم، إن سلمت المسيرة من المعطّلين والمرجفين والمخربين.. الزمن المقبل بخطى حثيثة هو زمن عمران الإنسان قبل البنيان، لا مجرد إعادة إعمار هنا أو هناك.