النسخة التي بين يدي صدرت في العام الماضي 2024 عن وزارة الثقافة ضمن سلسلة «القراءة للجميع» وقد قدم له الدكتور المؤرخ علي محافظة الذي اسماه ب”المؤرخ العصامي» وهو كذلك عندما تقرأ سيرته التي قدمها أبناءه الحراس على هذا الارث العظيم الذي يدون تاريخ الأردن بدءاً من الثورة العربية الكبرى وقد كان الراحل حريصاً على توثيق الكثير من الاحداث التي مرت بها الاردن منذ تاريخ إنشاءها. للتوثيق الكتاب اول ما صدر كان في العام ١٩٦٩.
صدقاً اقول لو اتيحت لي الفرصة في الكتابة بشكل مؤلّف تاريخي فأول ما يمكن ان افكر به هو نفس موضوع هذا الكتاب وهو انطباعات ومذكرات وخبرة العديد من المستشرقين او الرحالة او المستعربين في المنطقة العربية بدءاً من الليدي هيستر ستانهوب ومروراً بخاتون بغداد وليس انتهاءاً ب «كلوب باشا» والقائمة تطول. المميز في هذا الكتاب انه يقدم مقتطفات من مذكرات او انطباعات ثلاثة عشرة من الرحالة والجنود والمستعربين الذين مروا في المنطقة العربية وخصوصاً الاردن وجمالية الكتاب تأتي في انتقائه بعضاً او اجزاءاً من أعمال هؤلاء الاشخاص ?يختصر علينا جهداً كبيرا في قراءة كل هذه الكتابات او يحفزنا للعودة لتلك الكتب والغوص بتفاصيلها وفي الحالتين هذا شيء جيد وخصوصاً للمهتمين بتاريخ الاردن ورجالات الأردن ونشأته الاولى وبداية خطواته وهو حديثاً احتفل بمئويته الاولى.
اسماء كثيرة يشملها هذا الكتاب وشخصيات مهمة ساهمت في صنع التاريخ الأردني المعاصر واثرت به وأثرته وعلى المستوى الشخصي استمتعت ببعض قصص البداوة الأردنية التي شملها هذا الكتاب بالإضافة إلى بعض المفاجآت التاريخية بالنسبة لي. هنا اعطي مثالين مهمين وهو الجزء السادس والذي يتحدث عن «جيرترود بيل» او الخاتون او ابنة الصحراء والحقيقة ان ما ادهشني من خلال ما ترجمه الراحل سليمان الموسى عن حياتها ورسائلها هو مدى حبها للمنطقة وانحيازها في كثير من الاحيان للعرب وهذا جانب لم اكن اعرفه عنها ولكن كما ينبهنا المؤلف الراحل في ا?أسطر الأخيرة على لسان احد العراقيين «لا تحبينا كثيراً عافاكِ الله، ولا تتدخلي كثيرا في شؤننا».
للمصادفة ادهشني الفصل الذي يليه وهو السادس الذي يقدم لنا جزء من مذكرات «سانت جون فيلبي» او الحاج عبدالله فيلبي كما اصبح يعرف لاحقاً والحقيقة انني كنت اتخذ موقفاً سلبياً جداً ومعادي لهذه الشخصية البريطانية ولا ادري لماذا تكون لدي هذا الانطباع وقد يكون لاني اعتقدت ان إسلامه كان خدعة كأي جاسوس او لانه والد واحد من اشهر الجواسيس البريطانيين الذي هربوا إلى الاتحاد السوفييتي (كيم فيلبي) والحقيقة ما فاجأني بمذكرات هذا الرجل وانطباعاته عن الاردن انها أيضاً تنم عن محبة للبلد بأهله وملكه وفي الحالتين (جيرترود بيل و ?انت جون فيلبي) فالكتاب حفزني للقراءة اكثر عنهم وهذا يحسب للكتاب.
المفاجأة الاخرى التي أفرحتني كثيراً في هذا الكتاب القيم هو الفصل الثاني عشر وتلخيصه لكتاب «خشخشة الأشواك » لمؤلفه السير أليك كيركبرايد والذي خدم في الأردن فترة طويلة من الزمن وكنت قد عثرت على النسخة الإنجليزية من هذا الكتاب قبل حوالي ربع قرن وفقدتها بعد ذلك بفترة قصيرة وظل الكتاب بنفسي طيلة هذه الفترة والان احس بفرح طفل أضاع واحدة من ألعابه المفضلة ثم وجدها على غفلة.
للمهتمين بموضوع الاستشراق وعلاقة هؤلاء المستشرقين مع العرب وانطباعاتهم والمهتمين بتاريخ الأردن او المنطقة بدايات القرن العشرين فهذا الكتاب يوفر الكثير وخصوصاً لبعض الرحالة والمستشرقين الذين قد تكون آثارهم قد ضاعت.