عروبة الإخباري –
يُظهر مقال الدكتورة العلامة، فلك مصطفى الرافعي، بُعدًا فكريًا ولغويًا عميقًا، حيث تُوظّف الفصاحة والأسلوب البياني في تحليل الواقع السياسي والاجتماعي عبر توظيف المفاهيم الدينية واللغوية بدقة وذكاء.
المقال يعكس قدرة فريدة على تفكيك المشهد اللبناني، لا سيما في طرابلس، من خلال استدعاء الرموز الدينية واللغوية ووضعها في سياق تحليلي محكم. فالتلاعب بالمصطلحات بين “على كف عفريت” و*”على كف شيطان” ليس مجرد استبدال لغوي، بل هو قراءة عميقة لما يجري، حيث أن *العفريت* في السياق الديني ليس بالضرورة شريرًا، بينما *الشيطان* رمز للفتنة والهلاك، وهو توصيف دقيق لحالة الفوضى والتلاعب بمصير المدينة.
من جهة أخرى، فإن مقال الدكتورة العلامة الرافعي، لا يكتفي بوصف الأزمة، بل يكشف عن مكامن العبث بالأموال العامة التي تُهدر في مشاريع الدمار بدلًا من البناء، فيطرح سؤالًا جوهريًا: *ماذا لو صُرفت هذه المليارات على البناء بدل الهدم؟* وهنا يكمن البعد النقدي العميق، حيث يُقارن بين كف الشيطان الذي يبدد الثروات في الحروب والفوضى، و”كف الملاك”* الذي كان يمكن أن يُحوّل هذه الأموال إلى نهضة اقتصادية واجتماعية.
على مستوى الأسلوب، فتوظيف التكرار في “مليارات على كف شيطان” يُرسّخ الفكرة في ذهن القارئ، ويضفي على النص بعدًا خطابيًا مؤثرًا. كما أن المقال يُحافظ على مسار تصاعدي في التحليل، يبدأ بوصف المشهد، ثم يتدرج نحو استنطاق المسؤولية، ليصل في النهاية إلى صرخة تحذير موجهة إلى صانعي القرار وأصحاب النفوذ.
لذا، يمكن اعتبار المقال صرخة مدوّية في وجه العبث والفوضى، تحمل بين طياتها نداءً للإصلاح وتنبيهًا من خطر التمزّق والتشرذم. إنه نصّ يعكس بؤس الواقع، لكنه لا يخلو من ومضة أمل بين السطور، تدعو لقطع يد الشيطان قبل أن يغرق الوطن في مستنقع الضياع.