عروبة الإخباري –
عرقلت إسرائيل مراراً الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق مع حماس، وعندما انتهت المرحلة الأولى، حاولت الولايات المتحدة الامريكية تمديدها، بناء لرغبة إسرائيل، التي تريد تحرير كل الأسرى، دون التزام بوقف الحرب أو السماح بإعادة الإعمار.
تُدرك حماس جيداً نوايا الحكومة الاسرائيلية، وتعلم أن التخلي عن ورقة الأسرى مقابل وقف مؤقت للحرب، هو ضربٌ من الغباء، فلا أحد يستطيع ردع العدوان الاسرائيلي القادم، اذا لم يتم التوصل إلى صفقة كاملة تُنهي هذه الحرب، وتُجبر إسرائيل على الانسحاب من القطاع، خاصة محور فيلادلفيا، لِفك الحصار عن الشعب الفلسطيني، ووقف حرب التجويع والابادة.
لا يبدو مجدياً الحديث عن القانون الدولي الانساني، واتفاقية جنيف الرابعة، بخصوص حماية المدنيين في النزاعات المسلحة.
تلك الاتفاقية التي صاغها أصحاب الحس الانساني والعقول النيرة، والتي تمنع على الاطراف المتحاربة من استهداف المدنيين، أو تدمير المنازل والاملاك الخاصة، وتمنح حماية خاصة للفرق الطبية والمستشفيات والمدارس ودور العبادة، وتفرض على الجيوش حماية السكان، وتمنع اعاقة مرور المساعدات الانسانية، بل أكثر من ذلك تُجبر الجيش على تقديم المواد الغذائية اللازمة للسكان، وتأمين المياه، وتمنع التهجير القسري، وتمنع قتل العسكريين الذين يلقون السلاح، او التعدي على الكرامة الانسانية، وضرورة تقديم المساعدة الطبية للجرحى، وأشياء عديدة يفرضها الضمير الانساني، وهي لا تمنع تحقيق الاهداف العسكرية، لكنها ترتقي بالشعوب إلى درجة احترام حقوق الانسان، وابعاده عن السلوك العدواني الغريزي المتوحش، وتمنع العنف المفرط والقتل غير المبرر للمدنيين.
لم تترك إسرائيل شيئًا من اتفاقيات جنيف يمكن الحديث عنه، والعالم يتفرّج على عملية قتل وابادة ممنهجة لشعب بأكمله، بل لشعوب في هذه المنطقة.
لا يخجل الأمريكي وبعض الأوروبيين من دعم إسرائيل وتبرير جرائم جيشها وقادتها، والسؤال الذي يجب أن يوجّه إليهم، هو ماذا ستقولون لو فعل بكم وبشعوبكم أحد، جزءاً مما تفعله إسرائيل بحق الفلسطينيين؟؟؟
رغم الظلم الذي مارسه اليهود والاستعمار، يقبل الفلسطينيون والعرب بالسلام، وحل الدولتين، لكن إسرائيل ما زالت ترفض مشاريع السلام، وتسعى حكومتها المتطرفة لتنفيذ مشروع توراتي، في تحقيق حلم إسرائيل الكبرى، ولذلك هي استعدت وتتجهز دائما للحرب.
من يتحدث من العرب عن السلام مع إسرائيل، فهو لا يُدرك حقيقة ان السلام بالنسبة لإسرائيل هو مجرد كسب للوقت، لاستكمال الاستعدادات للحرب المقبلة، واختيار التوقيت المناسب للتوسع، وما حصل من احتلال اسرائيلي جديد لأراضٍ سورية، هو خير دليل على ذلك.
لا تحتاج إسرائيل إلى ذرائع لشن الحرب، فالذي اطاح بكل القرارات والقوانين والاعراف الدولية، والذي تعمّد ارتكاب المجازر بحق الاطفال والنساء والمدنيين العزل في فلسطين ولبنان، لا يحتاج إلى ذرائع لشن العدوان، والقاء اللوم به على الآخرين. فالفلسطيني واللبناني والسوري والاردني، ذنبه أنه موجود في فلسطين ولبنان وسوريا والأردن.
وحدها مصر نجحت في ردع العدوان، ولو لم يكسر جيشها خط “برليف” ويهزم جيش اسرائيل، لما خرجت إسرائيل من سيناء، ولما وقعت سلاماً مع مصر.
لا يمكن لحكومة إسرائيل المتطرفة القبول بنتائج الحرب كما هي الآن، فهذا الاخفاق سيطيح بحكومة نتنياهو ومستقبله السياسي، في أي انتخابات قادمة، ولذلك سيعود إلى الحرب، التي بحسب رئيس الاركان الجديد، الذي عينه نتنياهو، ستكون اكثر ضراوة وتدميراً، ولقد أمدّت إدارة ترامب، الجيش الاسرائيلي بما يلزم من قنابل فتاكة، قادرة على خرق التحصينات، واحداث زلزال في غزة.
قصف عنيف وهجوم بري واسع، هذه هي خطة إيال زامير، التي يريد من خلالها محو قطاع غزة من الوجود، وتهيئة الأرضية المناسبة لمشروع ترامب ب “ريفيرا غزة” بعد طرد أهلها إلى سيناء، ويتزامن ذلك طبعاً، مع إعلان ضم الضفة الغربية وطرد سكانها إلى الأردن وسوريا ولبنان.
عادت إسرائيل وحاصرت القطاع منذ أيام، وتمنع دخول المساعدات، وقطعت الكهرباء والمياه عن السكان، وفيما ولائم رمضان الفاخرة تملأ بيوت عديدة في بلاد المسلمين، يموت أطفال غزة جوعاً، ويشتهون كسرة خبز، وبعض فتات الطعام ليقتاتوا عليه.
قدم العرب خطة لانقاذ غزة وإعادة الاعمار، لكن ترامب رفضها نيابة عن الاسرائيليين، فهذا الرجل مصاب بجنون العظمة، ولا ينفك يتحدث عن أمريكا العظيمة، ويريد أن يكون أعظم رئيس في التاريخ، ويُدرك حاجته إلى اليهود في تحقيق احلامه النرجسية، ولذلك سيقدّم لإسرائيل كل ما يستطيع.
أما نتنياهو وفريقه التوراتي، فيرون ان الفرصة سانحة لتحقيق حلم إسرائيل، فها هم على قمة جبل الشيخ، ينظرون إلى دمشق وبغداد وبيروت وعمان، ويستشعرون خوف وضعف أعدائهم، هذا إذا كان قد بقي هنا من يجرؤ على عدائهم، وها هو ممر داوود بات سهلاً وفي متناول ايديهم، وترامب الصديق الوفي لإسرائيل، لا يقايض مع الضعفاء، بل يفرض عليهم، وفق شريعته “السلام بالقوة” أي الاستسلام