من الأربعاء إلى الأحد، أيام قليلة تضمنت تصريحات سياسية كثيرة، صدرت عن إدارة الرئيس دونالد ترمب وأركان إدارته ووزارات أمريكا السيادية، منها وزارة الخارجية.
ماركو روبيو يقود منذ تثبيت مجلس الشيوخ تسميته بالإجماع دون الحاجة إلى صوت نائب الرئيس جيه دي فانس، يقود الدبلوماسية الأمريكية وقد شهد له زملاؤه في الحزب الجمهوري بجميع تياراتهم يمين الوسط وأقصى اليمين، ومن يوصفون بممثلي المؤسسة والدولة العميقة ومن يسمون الجمهوريين بالاسم «راينوز»، شهدوا له بالكفاءة كعضو مخضرم في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية فلوريدا التي أتى إليها والداه لاجئين من كوبا للنجاة بأيمانهما وأسرتهما من براثن الشيوعية، ليكتسبا الجنسية الأمريكية بعد مولده في ميامي بأربع سنوات.
قدّمتُ الإيمان على الأسرة لأنه هكذا هو الشعار الأكثر رفعة وربما قداسة في بلاد العم سام وهو «الله، الأسرة، الوطن (البلد)». للأمة الأمريكية على ما فيها من ثراء في التنوع الإثني -عرقيا ودينيا وطائفيا- نظرة سامية لحق الناس، الناس كافة، ليس فقط في اختيار ما يؤمنون به، بل والحق في التعبير عن إيمانهم -الحريات الدينية وحريات التعبير عن المعتقد والرأي- ما لم يتجاوز حق الآخرين في التعبير هم أيضا عن إيمانهم. للفضاء العام حرماته وسأتي على ذكرها ربما في مقالة خاصة قريبا ما دمنا في زمني الصوم المباركين مسيحيا وإسلاميا.
الأربعاء الماضي يعرف بأربعاء الرماد وهو كما يعرف من يرى في المسيحي أخا في الإنسانية قبل أن يكون أخا في الوطن وصديقا صدوقا وزميلا وفيا وجارا هو الأقرب من الأخ البعيد، أربعاء الرماد هو ذلك الرماد الذي يحتفظ به من حرق سعف «أحد السعافين» الشعانين التي كانت وستبقى رمزا لأهل الأراضي المقدسة، للمقدسيين خاصة في استقبال السيد المسيح. أربعاء الرماد هي تلك التذكرة التي تنفع المؤمنين، تلك الموعظة الحسنة، تلك الكلمة السواء التي تذكّر أحفاد إبراهيم -خليل الرحمن – بأنْ «اذكر يا ابن ادم أنك من التراب وإلى التراب تعود».
مؤسف مشين مقيت أولئك «إعلام» التحريض و»صحافة» التدليس و»منصات» التنمّر التي تغولت على حق ماركو المسيحي الكاثوليكي، وتطاولت على إيمان الوزير روبيو في ممارسة طقس عمره قرون -القرن الثامن للميلاد- ومارسته بحرية أجيال حتى وراء الستار الحديدي أيام جوزيف ستالين! تماما كما دأبوا في كل مناسبة وكما استهدفوا كل شخصية، اختزلوا مقابلة أخينا ماركو مع فوكس نيوز وتصريحات السيد الوزير، معالي روبيو مع المذيع شون هانيتي حول ملفي أوكرانيا وغزة، وانتزعوا صورة ثابتة واحدة لماركو روبيو وقد اعتلى جبينه رسم الصليب علامة على طلب الغفران والاتضاع، تحضيرا للقلب على صيام الأربعين يوما، صياما أوصى به السيد المسيح بأمور كثيرة بالإمكان تلخيصها بالمحبة والخدمة والشركة (بمعنى الشراكة تأسيسا وتأكيدا لعلاقة الخاص بالعام).
للأسف هذه ليست أول مرة يتصيد فيه بعض الجهّال عمدا أو سهوا صورة أو مقابلة باجتزاء يصل إلى حد التزوير لغايات معروفة هي التحشيد والتحريض. من تلك الأمثلة المتكررة، الإصرار على تعمّد إساءة ترجمة كلمة «كْرُسيد» يتعمدون إسقاط «الحروب الصليبية» عليها رغم أن ألف باء الترجمة والصحافة تقوم على حسن فهم السياق وبالتالي الترجمة، لذلك تدعى المهنة، مهنة التحرير الصحفي، تحرير الكلمة والصورة من قيودها وشوائبها وأي شيء يتطفل عليها أو يتم إقحامه بها بحيث يؤدي إلى إبعاد الكلمة عن المعنى. من الأمثلة المعروف وبالإمكان «غوغلتها» ضمن منشورات عدد من الهيئات الأممية، شن حملة لمكافحة شلل الأطفال أو الاتجار بالبشر أو تهريب السموم المسماة المخدرات، كلمة حملة هنا تترجم «كرسيد» فيما الحملة الخاصة بالانتخابات تدعى «كامبين».
لا علاقة بالرموز الدينية من أي دين وطائفة، ولا حتى الرموز الوطنية من أي بلاد كانت، بجوهر الأحاديث السياسية لأي وزير أو عضو برلمان في أي دولة في العالم. التقييم والحوار ينبغي أن يبقى في إطار المحتوى والسياق، بمعنى الدخول في تفاصيل سياسات ترمب لا تصريحات روبيو فقط، من ملفات كثيرة، لا تقتصر في السياسة الخارجية على غزة وأوكرانيا، بل تشمل مثلا المكسيك وكندا وغرينلاند وبنما. وكل تلك الملفات تنطلق من توجهات ولاية ترمب الثانية الممتدة من الأولى، وهي العمل على جعل «أمريكا أولا» وذلك شعار سياسي وطني لا هو بالديني ولا بالطائفي!! يريد ترمب جعل «أمريكا عظيمة مجددا» بإحياء وتعزيز قيم الإيمان والأسرة، لذلك يحتفل البيت الأبيض الآن كما في عهد سلفيْ ترمب، جو بايدن وباراك حسين أوباما بعيد الميلاد وحانوكا ورمضان، وجميعها مناسبات مباركة تحرص جميع الإدارات الأمريكية على احترامها في الوزارات والسفارات حول العالم. فأحدٌ مبارك، وجمعةٌ مباركة وأربعاء الرماد مبارك، وتقبّل الله طاعاتنا أجمعين..