طالبت الحكومة الإسرائيلية الإدارة الأميركية، في بداية شباط/فبراير الفائت، بألا تجري محادثات مباشرة مع حماس، وألا تفعل ذلك بدون شروط مسبقة خصوصا. إلا أن إسرائيل اكتشفت، يوم الثلاثاء الماضي، خلال محادثة «متوترة» بين وزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر، والمبعوث الأميركي لشؤون الأسرى، آدم بوهلر، أن إدارة ترامب تجري مفاوضات سرية مع حماس، حسبما نقل موقع «واللا» الإلكتروني عن مسؤول إسرائيلي ومصدر ضالع في التفاصيل.
وأضاف «واللا» أن المحادثة بين ديرمر وبوهلر جرت بعد عدة ساعات من لقاء بوهلر مع نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، خليل الحية، في الدوحة، بعد أن بدأت الاتصالات بينهما، الأسبوع الماضي، وتركزت حول الأسير في غزة، عيدان ألكسندر، وأربع جثث أخرى لأسرى أميركيين.
ونقلت الولايات المتحدة رسالة إلى حماس مفادها أن تحرير الأسرى الأميركيين سيمنح حماس رصيدا كبيرا لدى ترامب، الذي سيمارس بعد ذلك ضغوطا لصالح صفقة تبادل أسرى واسعة يمكن أن تشمل هدنة طويلة، «وانتقال آمن لقادة حماس من غزة»، وإنهاء الحرب.
وهددت إدارة ترامب بأنه في حال عدم حدوث ذلك، فإن إسرائيل ستستأنف الحرب. وكان ترامب ومستشاريه يأملون بتحقيق تقدم في المفاوضات مع حماس قبل خطابه في الكونغرس، الثلاثاء، لكنهم اعتبروا أن رد حماس ليس كافيا، حسب «واللا».
وتطرقت المحادثات بين بوهلر والحية إلى عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيحررون مقابل الإفراج عن ألكسندر، فيما إسرائيل رفضت عدد الأسرى الفلسطينيين الذي سيحررون.
قال مصدران إسرائيليان إن ديرمر تحفظ خلال محادثته الهاتفية مع بوهلر من المحادثات المباشرة بين الولايات المتحدة وحماس، وأن ديرمر قال لبوهلر إنه يعارض أن يطرح الأميركيين مقترحات من دون موافقة إسرائيلية مسبقة.
وحسب مصدر مطلع على التفاصيل، فإن بوهلر أكد لديرمر أن صفقة مع حماس ليست قريبة وأنه يدرك الشروط الإسرائيلية، فيما ادعى مسؤول إسرائيلي أن المحادثة المتوترة بين ديرمر وبوهلر دفعت البيت الأبيض إلى إعادة تقييم المحادثات مع حماس والانسحاب قليلا من هذه الخطوة.
ونقل «واللا» عن مصدر أميركي رفيع قوله إن ترامب ومستشاريه عقدوا مداولات، أول من أمس، حول المحادثات مع حماس، وقرروا توجيه «رسالة علنية قوية» لحماس، بهدف ممارسة ضغوط عليها من أجل أن تقدم تنازلات، والقول إن الموقف الأميركي تجاه حماس لم يتغير بالرغم من المحادثات المباشرة.
في نفس الوقت كشفت مصادر أميركية أن إسرائيل وضعت خططًا لتنفيذ «سلسلة من الخطوات التصعيدية التدريجية» لزيادة الضغط على حركة حماس، تصل إلى استئناف الحرب بشكل كامل على قطاع غزة المحاصر إذا لم تُفرج الحركة عن 59 أسيرًا إسرائيليا لا يزالون لديها.
وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، السبت، بأن هذه الخطوات بدأت بالفعل خلال الأسبوع الماضي، حيث منعت إسرائيل دخول السلع والإمدادات والبضائع إلى قطاع غزة كجزء من خطتها التصعيدية.
ويأتي هذا في ظل تهديدات تشمل قطع الكهرباء والمياه، وشن غارات جوية، وصولًا إلى إعادة احتلال أجزاء من غزة، وفقًا لما أوردته مصادر إسرائيلية وأميركية مطلعة على الخطط العسكرية الإسرائيلية.
وصرّح وزير المالية الإسرائيلي والوزير في وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش، أن «الخطوات المقبلة قد تشمل قطع الكهرباء والمياه عن القطاع»، مؤكدًا أن هذه الإجراءات نوقشت خلال اجتماع لمجلس الوزراء الأمني الأسبوع الماضي.
وفي حال لم تحقق هذه الضغوط أهدافها، فإن إسرائيل قد تلجأ إلى تصعيد عسكري يشمل تنفيذ غارات جوية وهجمات برية موضعية «تكتيكية» ضد ما يُزعم أنها مواقع لحماس، بحسب مصدر أمني إسرائيلي مطّلع على الخطة.
وأضاف ذات المصدر أن تجدد العدوان قد يصل إلى إجبار مئات الآلاف من الفلسطينيين، الذين عادوا إلى شمال غزة عند بدء وقف إطلاق النار، على النزوح مجددًا، ما يعني تكرار عمليات التهجير القسري على نطاق واسع، وفقا لصحيفة «وول ستريت جورنال».
وبحسب مصادر إسرائيلية، فإن الخطوة النهائية في هذا المخطط قد تكون إعادة اجتياح قطاع غزة بقوة عسكرية أكبر مما استُخدم في مراحل الحرب السابقة، مع احتمال فرض سيطرة جزئية على الأرض، بالتزامن مع استهداف «قدرات حماس العسكرية»، وذلك في تناقض مع تقارير إسرائيلية أخرى تشير إلى صعوبة التعبئة مجددا لقوات الاحتياط والجنود وحشدهم للحرب مجددا، بنسب كبيرة.
وشكّكت مصادر أمنيّة ذكرت لـصحيفة”هآرتس» أنها مطّلعة على التفاصيل، في قُدرة الجيش الإسرائيلي على حشْد عشرات الآلاف من عناصر الاحتياط، اللازميْن لتنفيذ مثل هذه الخطة، لفترة طويلة من الزمن.
وبحسب المصادر الأمنيّة ذاتها، فإن ألوية الاحتياط تواجه صعوبات في ملء صفوفها، وقد أعلن العديد من عناصر الاحتياط بالفعل، أنهم سيواجهون صعوبات في امتثالهم للتجنيد، مجدّدا، لفترة قد تمتدّ لعدة أشهر.
ونقل التقرير عن مصادر وصفها بالمطّلعة، بدون أن يسمّها، أن نسبة الحضور في بعض ألوية الاحتياط تصل إلى نحو 50% فقط، وأن ألوية أُخرى تحاول استكمال صفوفها من خلال تجنيد جنود احتياط من وحدات أخرى.
وأشارت المصادر إلى أن «عددا غير قليل من قادة الاحتياط أوضحوا أنهم ينوون إنهاء خدمتهم، وعدم التطوع لمواصلة القتال في غزة، انطلاقا من موقف مفاده أن العودة إلى القتال تتمّ لاعتبارات سياسية، وبظلّ المخاطرة بحياة الرهائن، الذين كانوا العامل الأهمّ في حثّهم على التجنّد منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر».
وأكد مسؤولون إسرائيليون لـ”وول ستريت جورنال» أن هناك شعورًا متزايدًا داخل إسرائيل بأن اجتياحًا جديدًا لغزة بات أمرًا لا مفر منه. وقال مايكل ماكوفسكي، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية ورئيس «معهد الأمن القومي اليهودي الأميركي»، إن «إسرائيل مصممة على إنهاء حماس مهما كلف الأمر»، مضيفًا «أعتقد أن إسرائيل ستدخل غزة بقوة أكبر وأشد مما سبق».
تأتي هذه التهديدات في وقت وصلت المفاوضات بين الاحتلال الإسرائيلي وحماس إلى نقطة حاسمة، حيث يتمسك الطرفان بمواقف متناقضة حول القضايا الجوهرية، مما يعرقل جهود تمديد الهدنة. فبينما تصر إسرائيل على إطلاق سراح جميع أسراها بدون الانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق، ترفض حماس ذلك إلا في إطار اتفاق يشمل وقفًا دائمًا للحرب وتبادل للأسرى، وهو ما ترفضه تل أبيب. كما تطالب إسرائيل بأن تتخلى حماس عن السلطة والتنازل عن سلاحها، وهو مطلب ترفضه الحركة بشكل قاطع وتؤكد أن مسألة إدارة القطاع هي قضية فلسطينية بحت.
ويرى بعض المحللين الأمنيين الإسرائيليين أن جيش الاحتلال في «وضع أفضل حاليًا لتنفيذ عمليات عسكرية واسعة في غزة، مقارنة ببداية الحرب». فبحسب مصادر عسكرية لـ”وول ستريت جورنال»، فإن إسرائيل أعادت تزويد قواتها بالذخائر والأسلحة، كما خففت إدارة ترامب القيود المفروضة عليها من الإدارة الأميركية السابقة.
ويذكر المحللون أن «إسرائيل لم تعد مضطرة لإبقاء قوات كبيرة متمركزة على الحدود الشمالية، بعدما فرضت على حزب الله تهدئة قسرية عبر حملة عسكرية مكثفة في الخريف الماضي».