عروبة الإخباري – د. فلك مصطفى الرافعي
قالت الامثال ” اذا اردت ان تقتل إنسانا فلا تطلق عليه رصاصة بل اطلق عليه إشاعة “, فالسهم يردي مرة و الإشاعة تقتل مرات و تتسع لتشمل معظم المحيط ..
و الفتنة الجوّالة التي تشهدها الساحة العربية إن هي إلا ترجمة منقّحة الحياكة ظلامية تبدأ بإطلاق ” إشاعة ” فتكبر دائرة رمي الحجر في البحر ليلف شواطئ و سواحل من ارتداد الانتقال ، مثل كرة الثلج تبدا بما تحمله قبضة اليد لتصل إلى كتلة جبلية تقلع كل ما في طريقها ..
و قد لفت الشارع الكريم لضرورة اخذ الحيطة من ( الخبرية ) و التأكد من صوابيتها و التحقق من حدوثها ،فجاءت الآية الخالدة :” يا ايها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ” ..
كانت اول إشاعة انطلت على بني آدم هي ما وقعت على (سيدنا آدم )و (سيدتنا حواء) عندما غوى ابليس بهما و حثّهما على ما نهيا عنه مرددا امامهما إنه الناصح و إنه يدلهما على شجرة الخلد…
الفتنة الجوالة و الإشاعة الكذوب طالت كل الانبياء الذين رمتهم مجتمعاتهم ـ الا القليل ـ بالسحر و الشعوذة و التضليل و الكذب و الافتراء و الجنون ، و كم من مجتمع آثر البقاء تحت ظل صنم على الاعتراف بالخالق الواحد المدبّر …
و الأدهى من ذلك أن من يطلق الشائعة و بعد رواجها يصدقها و يعتقد أنها تقارب الحقيقة و الأمثلة على ذلك كثيرة لا مجال لتعدادها ..
فكم من القبائل و العشائر سرت بهم رذائل الاقتتال و الثأر لمجرد شائعة بثّها الشيطان على لسان إنسان فسرت مسرى النار في الهشيم ، ألهبت و أحرقت و قتلت و عبثت ، و حتى جلاء الحقيقة تكون المقابر قد فاضت بما حملته بطونها …
و كم من امرأة لاكتها ألسن الغيرة و الحقد فوقعت في مكائد الإشاعات و قتلت عند بيئتها كل الفضائل ..
و كم من قيادي الهبته سياط الإشاعات و الأقاويل فقد بريقه و دفع كل تاريخه الأبيض لصالح الفبركات الكاذبة و حديث الغربان السوداء ..
و كم من سلعة إرتفعت و تيرة سعرها إلى أضعاف بفضل إحتكار بغيض جعلها في مكانة لا تطال بسبب تهافت الناس لإمتلاكها ، حتى اذا ما دفعوا بها النفيس ادركوا انهم ضحايا تجار لا يخافون الله سبحانه وتعالى فيما إستخلفهم عليه …
و كم من شعب آمن دفع اثمانا غالية بسبب إشاعة ، فكانت الفتنة الجوالة التي تمطر الموت و السوء ، و بعدما احلنا إلى التقاعد غمام المطر الابيض ،فتشرق الارض بالسهام بدل السنابل ، و بالسم بدل البلسم …
و إنها لصرخة ” تبيّنوا .. تبيّنوا . تبيّنوا ” قبل فوات الاوان ، و حتى لا تصبح كل مدينة عربية تعيش هاجس ” خراب البصرة “…