عروبة الإخباري –
يعد التسول في لبنان من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي انتشرت بشكل واسع خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد منذ عام 2019. ولم يعد التسول يقتصر على الفقراء والمحتاجين، بل أصبح مهنة يمتهنها البعض لتحقيق مكاسب مالية دون جهد، مستغلين بذلك تعاطف المواطنين وواجبات الصدقة والزكاة.
انتشار التسول في مختلف المناطق
أصبح مشهد المتسولين مألوفًا في معظم المناطق اللبنانية، خاصة في العاصمة بيروت وضواحيها، حيث ينتشرون بكثافة أمام المساجد ومفارق الطرق وإشارات المرور، كما يظهرون أمام دور العبادة والمستشفيات والبنوك والأسواق التجارية والمطاعم والمقاهي وحتى في وسائل المواصلات العامة. يتخذ بعضهم أساليب متعددة لاستدرار العطف، مثل مسح زجاج السيارات، أو بيع الورود وسلع زهيدة الثمن بأسعار رمزية، مما يجعلهم في نظر البعض جزءًا من مشهد يومي مقلق.
الأزمة الاقتصادية وتأثيرها على تفشي الظاهرة
تسببت الأزمة الاقتصادية في لبنان بانهيار الليرة اللبنانية وتراجع مستوى المعيشة بشكل حاد، ما دفع العديد من العائلات إلى الشارع لطلب المساعدة. ومع تزايد معدلات البطالة والفقر، بات التسول خيارًا للكثيرين من أجل تأمين لقمة العيش. ورغم أن هناك متسولين يعانون من ظروف قاسية ويفتقدون أبسط مقومات الحياة، إلا أن هناك آخرين يستغلون الوضع لتحقيق مكاسب مالية دون الحاجة الحقيقية لذلك.
الأطفال في دائرة الخطر
أحد أخطر جوانب ظاهرة التسول في لبنان هو استغلال الأطفال، حيث تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 70% من أطفال الشوارع معرضون للانحراف نتيجة بقائهم في بيئة غير آمنة. يُجبر العديد من الأطفال على التسول، إما من قبل ذويهم أو من قبل شبكات منظمة تستغلهم لكسب المال. يتعرض هؤلاء الأطفال لمخاطر جسدية ونفسية واجتماعية كبيرة، مما يهدد مستقبلهم ويزيد من احتمالية انخراطهم في الجريمة أو الإدمان.
التسول المنظم والشبكات الإجرامية
لم يعد التسول مجرد حالة فردية، بل تحول في بعض الحالات إلى تجارة مربحة تديرها شبكات منظمة تستغل النساء والأطفال والمسنين لتحقيق أرباح كبيرة. وتقوم هذه الشبكات بتوزيع المتسولين في مناطق محددة، وتفرض عليهم تسليم نسبة من الأموال التي يجمعونها، مما يحوّل التسول إلى تجارة غير شرعية تقوم على استغلال ضعف الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
مكافحة الظاهرة ودور الدولة
رغم الجهود الأمنية لمكافحة ظاهرة التسول، لا تزال الإجراءات المتخذة غير كافية للحد من انتشارها. تحتاج الدولة إلى حلول أكثر شمولية، تشمل تعزيز برامج الرعاية الاجتماعية، وتوفير فرص عمل للفئات الأكثر تضررًا، بالإضافة إلى فرض رقابة صارمة على الشبكات التي تستغل المتسولين. كما يجب التركيز على دعم الأطفال المشردين عبر إدماجهم في برامج تعليمية وتأهيلية تحميهم من مخاطر الشارع.
التسول في لبنان لم يعد مجرد انعكاس للفقر، بل تحول إلى أزمة اجتماعية تحتاج إلى معالجة جذرية. إن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب جهودًا مشتركة من الدولة والمجتمع المدني والمنظمات الإنسانية، إضافة إلى وعي المواطنين بضرورة مساعدة المحتاجين بطرق لا تعزز انتشار التسول كمهنة. فبدون استراتيجيات فعالة، قد يستمر هذا الواقع المأساوي في تهديد مستقبل أجيال جديدة، مما يجعل الحاجة إلى الحلول أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.