عروبة الإخباري –
عام ونصف خاضت غزة أعنف حروبها، حيث تعرضت النساء فيها لجميع أنواع الإنتهاكات من القتل، الإصابات، التشريد، إنجاب بدون مواد تخدير، فقدان المعيل، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. في ظل هذه الظروف، تداول المجتمع الدولي أهمية تطبيق القانون الدولي الإنساني كإطار قانوني يهدف إلى حماية المدنيين وضمان حقوقهم الأساسية خلال النزاعات المسلحة. لهذا تم التساؤل طوال هذه الحرب عن كيفية تطبيق هذا القانون فعليًا لحماية النساء في غزة؟
القانون الدولي الإنساني هو القانون الأوحد لحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، ممثلًا في اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، حيث توفر هذه الاتفاقيات حماية خاصة للنساء من خلال عدة مبادئ أساسية، أهمها حظر استهداف المدنيين وضمان التمييز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية. كما يفرض القانون حماية إضافية للنساء الحوامل والمرضعات، ويوجب تأمين الرعاية الطبية والغذائية لهن.
علاوة على ذلك، ورد في هذا القانون بوضوح على حظر جميع أشكال العنف الجنسي ضد النساء، بما في ذلك الاغتصاب والاستعباد الجنسي والإهانة الجسدية، وهي انتهاكات تُصنَّف ضمن جرائم الحرب. كما حُظر الاعتقال التعسفي بحق النساء، ويُلزم أطراف النزاع بمعاملتهن بكرامة واحترام في حال احتجازهن.
إلا أن الواقع أظهر فجوة عقيمة بين القوانين الدولية والتطبيق الفعلي على الأرض، فخلال العدوان، كانت النساء من أكثر الفئات تضررًا، وقد أظهر تقرير أممي أن 70% من ضحايا حرب غزة من النساء والأطفال، وقد تم تهجير أكثر من مليون إمراة فقدن منازلهن ومصادر رزقهن نتيجة القصف بسبب التدمير الممنهج عليهم.
بالإضافة الى الحصار الذي فُرض على غزة حيث شكّل العائق الأول لمنع وصول المساعدات الطبية والغذائية الأساسية، مما ساهم في تفاقم معاناة النساء، خصوصًا الحوامل والمرضعات والمريضات.
ولعل أبرز ما تُعاني منه النساء الغزاويات على مدار سنوات، غياب آليات المساءلة الفعالة، حيث تمر الانتهاكات دون محاسبة، هذا كله ساهم في إزدياد العنف القائم على النوع الاجتماعي في أوقات النزاع بسبب انهيار البنية الاجتماعية، مما يجعل النساء أكثر عرضة للاستغلال والانتهاكات.
لذلك لا بد من تفعيل دور المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة لضمان وصول المساعدات الإنسانية وتعزيز الجهود الرامية إلى حماية النساء من العنف والانتهاكات، وينبغي على اللجنة الدولية للصليب الأحمر تكثيف مراقبتها للانتهاكات، والعمل على إجبار الأطراف المتحاربة على الامتثال للقانون الدولي الإنساني.
من أجل إحقاق الحق وتحقيق العدالة بحق الشعب الفلسطيني لابد من تفعيل المساءلة القانونية التي تُعد عنصرًا أساسيًا في تحقيق الحماية، حيث يجب على المحكمة الجنائية الدولية متابعة التحقيقات في الإبادة الجماعية المرتكبة ضد النساء والأطفال، ومحاسبة المسؤولين عنها.
إن تطبيق القانون الدولي الإنساني لحماية النساء في غزة ليس مجرد التزام قانوني، بل مسؤولية أخلاقية وإنسانية تتطلب جهودًا مشتركة من المجتمع الدولي، الحكومات، المنظمات الحقوقية، والمجتمع المدني. فبدون مساءلة حقيقية، سيبقى القانون مجرد نصوص على الورق، وستستمر النساء في دفع ثمن النزاع من حياتهن وأحلامهن. إن ضمان حماية النساء في غزة ليس فقط حقًا لهن، بل خطوة ضرورية نحو تحقيق العدالة والسلام في المنطقة.
*الدكتورة الحلبي، باحثة قانونية وطالبة دكتوراه في الجامعة الاسلامية في لبنان