عروبة الإخباري –
يُعدُّ السلاح المتفلّت في لبنان أحد أخطر التحديات الأمنية التي تواجه البلاد، حيث يشكّل مصدر تهديد دائم لاستقرار المجتمع ويؤجج النزاعات الأهلية والعشائرية. وتُعتبر مدينة طرابلس نموذجًا حيًّا لهذه الظاهرة، إذ تعاني من انتشار السلاح خارج سلطة الدولة، ما أدى إلى تكرار الاشتباكات والانفلات الأمني.
يعود انتشار السلاح غير الشرعي في لبنان إلى عقودٍ من الاضطرابات السياسية والحروب المتتالية، بدءًا من الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) وصولًا إلى الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالبلاد. ومع ضعف مؤسسات الدولة وغياب تطبيق صارم للقانون، تفشّى السلاح بين الأفراد والجماعات تحت ذرائع الحماية الشخصية أو الولاء السياسي والطائفي.
وتُعَدُّ طرابلس، كبرى مدن الشمال اللبناني، واحدة من أكثر المناطق تأثرًا بالسلاح المتفلّت. فعلى الرغم من غناها التاريخي والثقافي، شهدت المدينة على مرّ السنوات اشتباكات عنيفة، لا سيّما في منطقة التبانة وجبل محسن، حيث أدت الانقسامات السياسية والطائفية إلى موجات من العنف المسلح. كما تشهد المدينة حوادث إطلاق نار عشوائية وخلافات فردية تتحوّل سريعًا إلى مواجهات دامية، مما يرسّخ ثقافة العنف.
فقد ساهم الانهيار الاقتصادي المستمر منذ 2019 في تفاقم الأزمة الأمنية، إذ يجد بعض الأفراد في حمل السلاح وسيلة للدفاع عن أنفسهم أو لفرض سلطتهم في ظل غياب الفرص الاقتصادية.
وتراجع هيبة الدولة وضعف المؤسسات الأمنية في بسط سيطرتها على كافة الأراضي اللبنانية عزز من سيطرة الميليشيات والمجموعات المسلحة.
تستغل بعض الجهات السياسية والطائفية السلاح غير الشرعي لتحقيق مكاسب خاصة، مما يساهم في استدامة هذه الظاهرة.
عدم وجود محاسبة فعلية لحاملي السلاح غير الشرعي يُشجّع على التمادي في استخدامه، حيث غالبًا ما يفلت المرتكبون من العقاب.
التداعيات على الأمن والاستقرار
يؤدي انتشار السلاح إلى ازدياد الجرائم كالقتل والسرقة والخطف، مما يجعل حياة المواطنين عرضة للخطر.
يُضعف السلاح المتفلّت سلطة القوى الأمنية ويمنع فرض القانون بشكل فعّال.
يشعر العديد من سكان طرابلس بعدم الأمان، ما يدفعهم للهجرة أو النزوح نحو مناطق أكثر استقرارًا.
يُعيق الانفلات الأمني النشاط الاقتصادي والاستثمارات، مما يفاقم الأوضاع المعيشية.
حلول مقترحة
لمعالجة هذه الظاهرة، يجب على الدولة اللبنانية اتخاذ خطوات جادة تشمل:
تطبيق قوانين صارمة لمصادرة الأسلحة غير الشرعية ومعاقبة المخالفين دون استثناءات سياسية أو طائفية.
تعزيز دور الأجهزة الأمنية وزيادة انتشار الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في المناطق الساخنة.
إطلاق برامج توعية لتشجيع ثقافة نبذ العنف وإرساء مفاهيم العيش المشترك والسلم الأهلي.
تحفيز النمو الاقتصادي من خلال توفير فرص عمل تقلل من لجوء الشباب إلى التسلّح والميليشيات.
مصالحة مجتمعية لإزالة الاحتقانات السياسية والطائفية التي تؤجج اللجوء إلى السلاح.
ختاماً، يشكّل السلاح المتفلّت في لبنان، وخصوصًا في طرابلس، تهديدًا دائمًا لأمن المواطنين واستقرار الدولة. ولا يمكن معالجة هذه الظاهرة إلا من خلال مقاربة شاملة تجمع بين فرض هيبة القانون، وتعزيز التنمية الاقتصادية، وترسيخ ثقافة السلم الأهلي. إن مستقبل طرابلس ولبنان ككلّ يعتمد على قدرة الدولة في استعادة سلطتها وحماية مواطنيها من دوامة العنف المستمر.