عروبة الإخباري كتبت جهاد قراعين –
امضيت ليلة طويلة عابسة متقلبة بين دروب سرير حافي القدمين ، ومنبهي لا يكف عن الرنين ،ليذكرني بضوضاء صاخبة تعج من حولي في يوم جنازتي ، بعض الأصوات ميزتها والبعض لم اسمعه يوما، فطلبت قهوتي الصباحية كالمعتاد أمام مرآتي الساذجة الساخرة ، تطل منها صورة امرأة شاحبة اللون ، وشبح يطاردها ، أدهشتني فكرة ان صوتي في فمه ، يسبح في لعاب ريقه الذي كاد يجف ، سيطرت على حواسي فوضى حزن الصدفة ، سقط الوهم سهوا منه ، اقترب مني عَلى أطراف أصابع قدمية كراقص بالية محترف متمرس بدقة الخطوات وإتقانها بكل دقة ورقة ، لف خصري النحيل الضامر في كعب قدمي ، والفجر مازال غافيا في أحضاني كأوراق ريحانة ، كلما اصابها الصقيع تلسع شفاة النسيان مني بقبل حارقة بنية تذكيري بالحضور وهم يطرحون أسئلتهم دون ان تتفوه الكلمات منهم .
صدى الأصوات يخزق طبلة أذني ، واوراق الخريف المتساقطة تتناثر حولي تعالت عليها قطرات رذاذ مطر ليلة فائتة ، تمنيت ان تصدمني أشعة الشمس وانا حافيه على حافة سريري المتكىء علي ، لتسألني لما تتعثرين وانت بكامل أنوثتك ، وكأن السماء كانت ترتدي ثوبا هشا متلثمة بدخان ارتطام حطام لهفة غبار خيوط الحنين ، لمعت دمعة البكاء مني مع ترانيم أهازيج فرح مازالت تطاردني ،افتقدت معصمي ، وفِي لحظة تذكرت أنني تركته هناك في فناء الدار لأزرع ظله في سيقان ستائر مخدعي ، لأسمح له بالتلصص على شفتين أتوق ان ارسلهما له لتقبيلهما .
في كوب لهفة شوق موت اللظى ،كاد يكتب نصًا على نحري ، فوق غيمة تأخرت نثر بذور روحه في كعب شهقة ليل ، كأنه يريدني ان ألاقيه او اركض خلف سراب ظله ، كانت حروفه حبلى بالعبرات ، توسل يدي ان تكون في كفه ، واستحلفني بالله ان مت ..؟؟ فصمت صمتي ،وتلعثمت ،هسيس الريح اعدم الموت ودفنه ، جفت نظرة الغيمة من الدموع ، حبلت السماء بغيوم مالحة المذاق ، وقميصه الذي احببت على حبال الملح ، بعض الانتظار مني عليل العشق ، تعب الحبر من انجاب الحروف في زحمة دخان صهيل صكوك الغفران له ، تتنهد ضحكتي امام منجل يجتث الخوف مني من ديددون الحب ، غريب مشهد هذا الموت ، لم يلبسوني الأبيض ، بل كان لون الاسود سراج زيت يضيء أناملي لتلملم بقايا شيب فضي تساقط من رأسه سهوا على صدري وهو مستلقيا عليه ، لملمتها وانا لا اتقن فن التحطيب ،فإذا بكف الضباب يلملم شيئًا من رخام شمس روحي ، فإذا بي احبس صقيع صدى أنين هديل الحمام في قارورة الوجد ، عبثت بأزرار قميصه لاعزف لحن قيثارة الوتين في تصوف نسيان الرحيل ، فتعانقت ارواحنا في حب سرمدي ، تعاتبنا على عتبات مدفن ساقية خمر من جرعة حب مركزة لها مذاق ساحر بشوق عارم مهيب فكانت الجنازة .