في أمسية أدبية احتضنها منتدى عبد الحميد شومان الثقافي في عمّان، تم إشهار وتوقيع رواية “معزوفة اليوم السابع” للروائي الأردني جلال برجس، بحضور نخبة من المثقفين والمهتمين بالأدب. أدارت الحفل د. ليديا راشد، وقدم قراءة نقدية حول الرواية الناقد د.عماد الضمور، الذي تناول أبرز محاورها الفكرية والفلسفية، مشيدًا بقدرة الكاتب على بناء نص يحمل بُعدًا إنسانيًا عميقًا.
تناولت الرواية تساؤلات كبرى حول مصير العالم بعد الأوبئة والحروب، وكيف يمكن للإنسانية أن تواجه التحولات القيمية وعدم المساواة. وأكد الدكتور عماد الضمور أن الرواية ليست مجرد سرد لأحداث متخيلة، بل هي عمل فلسفي يطرح قضايا جوهرية تتعلق بالصراع الإنساني مع الشر، بعيدًا عن النزاعات التقليدية بين الأفراد أو الجماعات.
تدور أحداث الرواية حول شخصية “باختو”، عامل النظافة المثقف الذي يقرأ الكتب التي يجدها في النفايات، ويبحث عن الحقيقة والحرية في عالم يعاني من التفاوت الطبقي والصراعات الاجتماعية. وعبر هذه الشخصية، ويسلط الكاتب الضوء على العلاقة بين المجتمعات المختلفة، مثل المجتمعات الغجرية والمدنية، مسلطًا الضوء على إشكاليات الهوية والانتماء والعدالة الاجتماعية.
وأشار الدكتور الضمور إلى أن الكاتب جلال برجس بنى روايته على هيكل سردي متشابك بين الحلم والواقع، حيث تبدأ القصة برجل مسنّ لم يتصالح مع قريته الفاسدة، فيغادرها باحثًا عن مكان جديد، ليؤسس لاحقًا مدينة تتكون من سبعة أحياء، مستلهمًا ذلك من حلم رآه. تتوالى الأحداث حتى تصل إلى نقطة التحول الكبرى، حيث تندلع ثورة الغجر لتحقيق المساواة، وينتهي المطاف بتوليهم السلطة، فيما يصبح “شاندور”، والد باختو، عمدةً للمدينة، في انعكاس رمزي لانتصار الفئات المهمشة.
في حديثه عن دوافع الكتابة، أوضح جلال برجس أن الرواية جاءت من إحساس بالخوف على مصير الإنسانية وسط التحولات المتسارعة، ليس فقط في العالم العربي، بل على مستوى البشرية جمعاء. وأشار إلى أن التكنولوجيا الحديثة وما أحدثته من تغييرات كبرى كانت أحد الهواجس التي دفعته إلى كتابة هذا العمل، متسائلًا عن تأثيرها على القيم الإنسانية والتواصل البشري.
وأكد برجس أن الرواية ليست مجرد سرد خيالي، بل محاولة لالتقاط روح العصر، مشيرًا إلى أن الوباء الذي اجتاح المدينة في الرواية كان رمزًا لحالة التيه التي يعيشها الإنسان المعاصر، حيث يصبح غير قادر حتى على رؤية وجهه في المرآة، في إشارة إلى ضياع الهوية وتشوه الوعي الإنساني.
حملت الرواية العديد من الرسائل التي تمس جوهر الإنسان، حيث استلهم الكاتب فكرة بدء الخليقة، عبر تصوير كيف يمكن أن تنشأ مدينة جديدة من العدم، تمامًا كما بدأ الإنسان الأول. كما عكست الرواية قلق الكاتب من حجم التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، وطرحت تساؤلات عن مصير البشرية في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها المجتمعات الحديثة.
وفي ختام الحفل، وقع جلال برجس روايته للحاضرين، وسط إشادة بأسلوبه السردي العميق الذي يجمع بين الرمزية والفلسفة، مقدّمًا عملًا أدبيًا يطرح قضايا إنسانية تتجاوز الزمن والمكان.
يُذكر أن رواية “معزوفة اليوم السابع” صدرت بالتعاون بين دار الشروق والمؤسسة العربية للدراسات والنشر، وهي تُضاف إلى رصيد الكاتب الذي سبق أن حاز على جوائز مرموقة في مجال الرواية العربية.