عروبة الإخباري
العرب – حنان مبروك –
في حوار جمعه مع “العرب” أوضح المخرج المصري الشاب بسام رؤوف التوجه العام لفعاليات أسوان السينمائية التي يستعد سينمائيو الجهة لإطلاقها على أمل أن تكون نافذة على سينما جنوب مصر وجنوب دول عربية وغربية أخرى، محاولين تحدي العوائق المالية والتخوف الرسمي والخاص من المراهنة على المبادرات الشابة.
يزخر جنوب مصر وتحديدا أسوان بقدرات فنية وثقافية مبهرة، تحتاج تسليط الضوء عليها وتثمين مبادراتها للنهوض بالثقافة في الجهة، ومن هؤلاء يأتي المخرج بسام رؤوف الذي يسعى منذ سنوات لتعزيز الثقافة السينمائية في المحافظة عبر فعاليات فنية وورشات تكوينية ومشاريع أفلام. ومؤخرا، بدأ المخرج والمنتج الشاب بالتعاون مع مختصين من شباب الجهة العمل على مهرجان سينمائي سيرى النور في فبراير المقبل وسيركز اهتمامه على الأفلام التي يخرجها ويصنعها أبناء محافظات الجنوب المصري.
اختارت الهيئة الإدارية أن تعنون المهرجان بـ”فعاليات أسوان السينمائية لأفلام الجنوب”، وعن ذلك يقول بسام رؤوف في حوار مع “العرب”: “اختيار الاسم كان انطلاقا من إيماننا الكبير بأن الجنوب مهمش في السينما المصرية، فالسياسات الثقافية المركزية كما في كل بلاد تمنح العواصم أهمية أكبر على حساب الحراك الثقافي في بقية المدن، لذلك أردنا التركيز على الجنوب المهمش في المجال الإبداعي الفني، ليس في داخل مصر فقط وإنما سنهتم بشكل أكبر بجنوب الدول عموما، فبدءا من الدورة الثانية سنهتم بعرض أعمال سينمائية من المحافظات الجنوبية للدول العربية ومن بينها جنوب تونس، جنوب أوروبا، جنوب أميركا، رغبة في دعم جنوب العالم ومبدعيه.”
الجنوب المصري يمتلك موروثات غنية تجعله وجهة مهمة لإنتاج أعمال فنية قادرة على المنافسة محليا وعربيا ودوليا
وشدد على أن “الجنوب المصري يمتلك موروثات ثقافية وفنية وبيئية غنية كثيرا تجعله وجهة مهمة لإنتاج أعمال فنية قادرة على المنافسة محليا وعربيا ودوليا، هناك مواهب تستحق فرصة للظهور، ونحن نريد من هذا المهرجان أن نسلط الضوء على تلك الجوانب المهمة والانتقال بالجنوب من حالة التهميش إلى الظهور تحت الأضواء.”
ومن المقرر أن تنعقد الدورة التأسيسية للمهرجان في الفترة ما بين 13 و17 فبراير المقبل. وكانت هيئة المهرجان قد كشفت عن البوستر (المعلقة) الرسمية للدورة الأولى والتي صممها الفنان معتز الشاطر، أحد أبناء أسوان، واهتمَّ فيها باختيار عناصر بصرية ورموز تجمع بين الهوية المحلية ولغة السينما العالمية ليظهر للعالم قوة التعبير الفني الذي يميز أفلام وسينما الجنوب، مؤكدًا أن الجنوب هو مصدر لحكايات الإبداع السينمائي التي تأخذنا عبر الزمن في رحلة فنية بين الأساطير القديمة وواقع اليوم، لتؤكد أن من الجنوب بدأ الإبداع.
ويقول رؤوف لـ”العرب” أن “هذه الدورة الأولى ستنطلق بإمكانيات مادية بسيطة لكنها تسعى إلى أن تعادل فعاليات ثقافية وسينمائية مهمة، نبذل مجهودا ذاتيا لتوفير موارد مالية، فالدورات التأسيسية عادة تنعقد في ظل ظروف صعبة، وليس من السهل أن تقنع الهيئات والاتحادات كي تدعمك، أغلبها يشترط أن تنعقد دورة أولى ثم يتم التفكير في إمكانية دعم المهرجان بناء على تقييم لنتائج الدورة. لا ننسى أيضا أننا جميعا شباب من محافظة في جنوب مصر، لا يعرفنا عدد كبير من الناس المؤثرين في الوسط الثقافي والفني لذلك نواجه صعوبة في إقناع الداعمين، رغم أن الفكرة مهمة جدا لخدمة المحافظات الجنوبية البالغ عددها 12 محافظة.”
في خطوة سينمائية مميزة في جنوب مصر، أعلنت فعاليات أسوان السينمائية لأفلام الجنوب، عن إطلاق برنامج “عروض الأفلام المُرممة المصرية القديمة”، ويضم هذا البرنامج عرض ثلاثة من أبرز أفلام السينما المصرية التي تم ترميمها في الفترة الأخيرة وتعد من كلاسيكيات السينما المصرية والعربية.
والأفلام المُختارة هي: “الكيت كات” الذي صدر عام 1991 للمخرج داوود عبدالسيد، و“جعلوني مجرما” الذي صدر عام 1954 للمخرج عاطف سالم، وفيلم “لا تطفئ الشمس” الصادر في عام 1961 للمخرج صلاح أبوسيف.
مصر لا تزال هوليوود الشرق رغم تراجع الإنتاج جراء الأزمة الاقتصادية ولكن القيمة الفنية للأفلام المصرية تنتصر دائما
ويوضح المخرج في حديثه أن “عرض الأفلام الكلاسيكية المصرية المرممة، يأتي رغبة منا في دعم السينما المصرية وتعزيز حضورها في مدن الجنوب والتذكير بما قدمته السينما المصرية طوال عقود. وهذه ليست المبادرة الأولى التي تثمن تجارب الرواد والسينما المصرية عموما، فقد سبق لنا أن نظمنا برنامجا بعنوان ‘سينما الإرادة’ الذي يقدم ورشا للنساء المكفوفات من أجل صناعة سينما وفق رؤاهن الخاصة، كذلك نعمل على برنامج جديد بعنوان ‘مبدعي الجنوب’ سيسلط الضوء على أعمال المبدعين من تلك المناطق المنسية.”
وتأتي المسابقة الرسمية للفعاليات بعنوان “بانوراما أفلام جنوب مصر”، والتي يؤكد رئيس المهرجان إنها “تختص فقط بالأفلام التي صنعها مبدعون من محافظات جنوب مصر فقط، نحن نسعى إلى العمل على أفكار لم يسبق التطرق إليها في فعاليات سينمائية مصرية سابقة كي نجد للفعاليات مكانا على خارطة المهرجانات السينمائية المصرية، وهذا تحدي كبير جراء ضعف الإمكانيات.”
ويشير رؤوف إلى أن “المميز في المهرجان أننا جميعا من الجنوب، من أسوان تحديدا، لكن بالعودة إلى التجارب السينمائية التي حصلت في الجنوب المصري، فقد حدثت على يد صناع من خارج محافظات الجنوب، لذلك أرى أننا كجنوبيين لدينا القدرة على التعبير عن ثقافتنا وموروثنا وتصوير حكاياته بشكل أفضل وأحسن، فنحن من نعيش هنا ونعرف المشكلات الاجتماعية والثقافية وغيرها أكثر من القادمين إلينا، وميزة المهرجان أن العاملين فيه جميعا سيكونون من الجنوب المصري.”
واختارت إدارة المهرجان أن تكون دورته الأولى باسم الناقد المصري الراحل يوسف شريف رزق الله (1942-2019)، الذي كان يعد أقدم وأبرز نقاد السينما الغربية في مصر والوطن العربي، حيث ذاع صيته من فترة السبعينيات من القرن الماضي، ويقول رئيس المهرجان إن ذلك يعود إلى أن “رزق الله كان أول ناقد مصري يسافر عبر العالم كي يجمع أفلاما ويعرضها في مصر، وكان الرجل خلال عصر ما قبل اليوتيوب والإنترنت بمثابة يوتيوب سينمائي، وله دور كبير في التثقيف السينمائي وبفضله تعلمنا الكثير عن السينما عبر برامجه التلفزيونية. إلى جانب كل ذلك فقد كان الناقد الراحل أكثر من شغل منصب المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي. لذلك اخترنا إطلاق اسمه على الدورة الأولى، كنوع من إتمام مهمته في تثقيف الجنوب المصري سينمائيا.”
إدارة المهرجان اختارت أن تكون دورته الأولى باسم الناقد المصري الراحل يوسف شريف رزق الله (1942-2019)، الذي كان يعد أقدم وأبرز نقاد السينما الغربية في مصر والوطن العربي
وفي حديث عن المنافسة السينمائية العربية التي ازدادت في السنوات الأخيرة، يرى رؤوف أنها “أثرت بشكل أو بآخر في حركة السينما المصرية، لكن في العام 2024، مصر أنتجت 43 فيلما وهو العدد الأكبر منذ ثورة 25 يناير 2011، ما يبشر بانتعاش سوق السينما، وفي العام الماضي حجزت المرأة المصرية بصفتها مخرجة مكانة أكبر في السوق المحتكر من المخرجين الرجال، ورغم المنافسة العربية والخليجية يظل الخليج تحديدا سوقا مهما لعرض الأفلام المصرية. مصر لا تزال هوليوود للشرق، رغم تراجع إمكانياتها الإنتاجية جراء الأزمة الاقتصادية ولكن القيمة الفنية للأفلام المصرية تنتصر دائما. الإيرادات محدودة زمنيا، بعد فترة المشاهد والناقد هما من يحددان فقط قيمة الفيلم الحقيقية ومكانته من تاريخ السينما. الخسارات الاقتصادية تعوضها السينما المصرية بحجم النجوم والمواهب والقيم الفنية التي تمتلكها.”
ويرى المخرج والمنتج المصري أن “الفن عموما يحكمه الموهبة والقبول لدى المشاهد، لذلك نجد أن الوساطة قد تمنح أحدا فرصة دخول المجال الفني لكنها لن تمنحه الشهرة والنجومية، ممثلون كثيرون من أبناء الفنانين دخلوا المجال بالواسطة لكنهم سرعان ما تساقطوا كأوراق الشجر، ما يضمن لهم الاستمرارية هي الموهبة ولا غير. الآن لدينا جيل جديد يبشر بمشهد سينمائي ودرامي مشرق مثل طه دسوقي أحمد مالك وأحمد داش وعلي قاسم وغيرهم، وهؤلاء ليسوا من عائلات فنية ويمتلكون مواهب مهمة.”
وفي ختام حواره مع “العرب” أكد رئيس فعاليات أسوان السينمائية لأفلام الجنوب أن ” أسوان تمتلك كل المقومات الثقافية والسياحية التي تؤهلها لاحتضان مهرجانات دولية وليست فقط محلية. هوية بلدنا تحتضن العديد من الثقافات، الحضارة هنا تتقاطع مع العديد من دول الجنوب. أسوان قادرة بصفتها عاصمة الثقافة الأفريقية وبصفتها مدينة سياحية أن تقدم صورة جيدة عن مصر وعن الجنوب العالمي.”
وتجدر الإشارة إلى أن المخرج والمنتج السينمائي بسام رؤوف، من جنوب مصر وتحديدا من مدينة أسوان، هو رئيس فعاليات أسوان السينمائية لأفلام الجنوب، وهو مؤسس ورئيس نادي “سينما أون سيت” بأسوان و”أفلام لكل الناس”. خريج مدرسة سينما جيزويت، وهو عضو نقابة المهن السينمائية ومدرب فنون سينمائية للعديد من الهيئات والمؤسسات. ويعمل مدير شركة “أسوان فيلم بروداكشن” للإنتاج الفني وهو منتج منفذ للعديد من الأفلام التابعة للاتحاد الأوروبي وهيئات دولية.