عروبة الإخباري –
لطالما تمسك الأردن بثوابته الوطنية والإقليمية، وأبرزها دعم قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهو موقف ثابت رغم الضغوط والتغيرات التي شهدتها المنطقة. اليمين الإسرائيلي، الذي يدعمه ترامب، لا يمتلك مشروعًا سياسيًا متكاملاً للمنطقة، بل يعتمد فقط على سياسات التوسع والاستيطان، وصولًا إلى تهجير الفلسطينيين. في المقابل، قدم الأردن لاءاته الإيجابية، التي تمثل فرصة حقيقية للإدارة الأميركية لإعادة تقييم سياساتها في المنطقة. لكن يبدو أن توجهات ترامب لا تأخذ هذه الثوابت بعين الاعتبار.
وعلى ما يبدو أن الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي عُرف بقوته في اتخاذ القرارات، لن ينجح في تعاطيه مع الأردن أيضًا.
دون شك بأن ذلك يعود إلى افتقاره للمعرفة العميقة بطبيعة هذا البلد، ودوره المحوري في المنطقة، بالإضافة إلى التجارب التي مر بها منذ نشأته. فالتعامل مع الأردن لا يمكن أن يتم بتبسيط المشكلات العميقة التي تعصف بالمنطقة، ولا يمكن حصره في إطار الارتهان لليمين الإسرائيلي.
منذ عقود، يتمسك الأردن بثوابته التي تستحيل تجاوزها، وأبرزها دوره في رسم ملامح الدولة الفلسطينية. ففي عام 1988، اتخذ الملك حسين قرار فكّ الارتباط مع الضفة الغربية، مؤكدًا موقف الأردن من القضية الفلسطينية. وعلى خطى والده، استمر الملك عبدالله الثاني في تبني نهج واضح، مشددًا على أن لا بديل عن الدولة الفلسطينية المستقلة، وأن الأردن لن يكون الوطن البديل، كما يحلم بنيامين نتنياهو.
ففي عام 1967، عقب نكسة حزيران، أصدرت قمة الخرطوم لاءاتها الثلاث الشهيرة: “لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات مع إسرائيل”. لم تكن هذه اللاءات سوى تعبير عن عقل عربي عقيم، لم يستوعب حينها طبيعة الهزيمة وكيفية التعاطي معها، وهو ما استفادت منه إسرائيل في ترسيخ احتلالها. أما اليوم، فالأردن يطرح لاءات إيجابية، تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، بعيدًا عن التعنت والتطرف.
لا يمكن للإدارة الأميركية، مهما تغيرت توجهاتها، أن تتجاهل الدور الأردني في المنطقة، خاصة في ظل التطورات الجيوسياسية التي تشمل العراق، والانقلاب الكبير في سوريا، والمتغيرات في العلاقات الإقليمية، فالأردن لم يعد مجرد وسيط في المنطقة، بل أصبح جزءًا فاعلًا في تحديد معالم المستقبل، خاصة في ظل تراجع الحاجة إلى قنوات وسيطة للتواصل مع إسرائيل.
يبقى الأردن لاعبًا رئيسيًا في مستقبل القضية الفلسطينية، وليس مجرد طرف ثانوي يمكن تجاوزه بقرارات أحادية، وقد أكد الملك عبدالله الثاني مرارًا، سواء في خطابه التاريخي أمام الكونغرس الأميركي عام 2007 أو بعده، أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة هي مفتاح تحقيق السلام. لذلك، فإن أي محاولة للقفز فوق هذه الحقائق، سواء من قبل إدارة ترامب أو أي إدارة أخرى، ستكون محكومة بالفشل.
فالرهان على التطرف الإسرائيلي لن يقود إلا إلى مزيد من التوتر والاضطرابات، بينما يمكن للاستفادة من الموقف الأردني المتوازن أن تمثل خطوة نحو حل أكثر استدامة وواقعية للصراع في الشرق الأوسط.