عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب –
أبو فائق، ميشيل الصايغ، كنت اتمنى لو عندنا العديد من أمثاله، لم تلفتني ثروته التي يتقدم بها على كثير من الأغنياء الأردنيين، ولكن لفتني وعيه على الثروة وكيفية نظرته للحياة، فالكثيرون حين تزداد ثروتهم يقل اهتمامهم بالشأن العام وتزيد شراهتهم لجمع المال، فيتحولون الى خزنة وربما لا يعود الجميع يراهم، ولا يعودون للاهتمام بما يعيش وطنهم.
لفتني عمق وطنية أبو فائق، كان ذلك منذ زمن ودون أن التقي به، فمنذ تخرجه من نفس الجامعة بداية وهو يعمل على بعدين، بعد تطوير نفسه ودراساته وبعد تطوير عمله وثروته.
لقد خاض العديد من المعارك كلها كانت تصب في بلورة مواقفه من الحياة وفي وعيه عليها.
لقد كان يكره التواكل والإحالة الى الغيب وتحميل القدر مسؤولية الموفقية من عدمها أو قبول التبرير العاجز.
جالسته مرتين واستمعت اليه وهما اي المرتين ليستا كافيتين للإحاطة بتفكيره الفلسفي ، فوجدت رجلاً كأنه أنسل من مجلس “أخوان الصفا” من جماعة المعتزلة كما عرفتهم من كتب التاريخ، يؤمن بالعقل ولا يستبدله بأي وسيلة أخرى، وهو اي العقل دليله … واستاذه ويرى منه أن البشرية لا بد أن تعود من الوهم الى الواقع لتنجو من الغيبية والتواكل والظن، وأن في العلم المجرد وفي الفلسفة المستندة الى الوعي والحكمة خلاص.
تعبيراته المتعلقة بالاخلاق والدين والحياة وقضيته التي لم تبرح عمله، قضية وطنه، ومسقط رأس والده وحبه ليافا التي كانت أشهر مدن الشرق وقد سبقت بيروت وتفوقت عليها، كل ذلك أشغلني أن اسأله عن مشاريعه الجديدة وأعماله المتصاعدة وخاصة مشروع المستشفى المميز الذي يشارك فيه بشكل أساسي في العقبة.والذي سيكون على سوية مختلفة وسيشكل نموذجا سيحدثني عنه الدكتور باسم سعيد اذي سأرافقه في زيارة إلى ارض الواقع بعد ان امتدح ميشيل اختياره وحيث يتبع المستشفى جامعة علمية،طبية فقد شد في فضولي كصحفي وكاتب أن اذهب واروي غواية الفكر والتحليل، وقد ربطت وميشيل يتحدث بين وعي اثنين عرفت تميزهما في التفكير، وهما نديم المعشر الذي لا يستطيع احد ترك مجلسه ان تكلم في اللاهوت بعمق وفلسفة وموضوعية ، يقف الصايغ في طروح تعيد للمخلوق البشري ثقته بنفسه وارادته وقدرته على الخلاص أن آخد بتنظيم الواقع واعادة بنائه.
كنت اتوق أن أجالسه أكثر، فقد تنوعت خبرات الرجل بين الصناعة والتجارة والتسويق وبناء المشاريع والتركيز على تلك التي لها بعد انساني، كالطب وبين السياسة الوطنية البعيدة عن اللغو والثرثرة وإضاعة الوقت.
ميشيل، صاحب مذهب وأسلوب ناقد، لا يقبل الأمور بعجرها وبحرها كما يقال في العربية القديمة وإنما يحكم فيها الشكل العلمي والعقل ليخرج مقتنعاً، والاّ فإن ما يقال ليس فكراً وليس جديراً بالاهتمام.
لأمانته وأخلاقه وأخلاصه السبب في العودة لمجالسته وكانت مبادرته سبباً من أسباب صدور كتابي عن القدس العربية المسيحية التي أحبها وحذر من تسريب ممتلكاتها ووقفياتها، فقد تبرع بالترجمة فكانت النسخة التي حطت على مكتب جلالة الملك، واخبرني رئيس الديوان باهتمامه بترحيبه واعجابه بصدروها وقد عملت أن اوزعها على (60) سفارة وبعثة أجنبية وقد احتفى بها من تسلموها وقد كتب معظمهم لي رسائل ثناء وشكر، ومنهم السفير البرازيلي والسفير الفرنسي، وعديد السفراء الأجانب، الذين سأنشر رسائلهم لاحقاً، في حين لم يردني للأسف من السفراء العرب اي رسائل رغم ان الكتاب كان هدايا لهم وواصل الى مكاتبهم.
أعود الى أريحية ميشيل، وطيب نفسه وكرمه وأكبر فيه محبته لعمل الخير وحرصه على ذلك، وهو ينسحب من الأعمال المباشرة الكثيفة التي تستهلك الوقت والأعصاب ليجد لنفسه هوامش من الراحة النفسية بالاشتغال بالزراعة والتعامل مع الأشجار والنباتات والحديث اليها ومراقبة حياتها وعطائها
أتمنى لأبي فائق عمراً مديداً وممتعاً، فقد أهديته كتابي عن “اثيوبيا كما رأيتها”، وهو ثمرة لزيارة اثيوبيا لأشهر ترددت عليها وتجولت فيها من شمالها لجنوبها، ووقفت عند أغنى حضارة عالمية، وقد حفزه ذلك أن قال، أنه سيزورها ليرى ما تحدثت عن بعضه مما رايت وكتبت وأمل أن يجد فيها المزيد من المتعة والراحة والثقافة