عروبة الإخباري –
الدستور –
واجهت فلسطين كارثة اقتصادية واجتماعية وإنسانية وبيئية وصحية وتعليمية وغذائية أدت إلى انكماش القاعدة الإنتاجية، وتشويه هيكلها الاقتصادي. فمع نهاية العام 2024، أشارت التقديرات إلى استمرار الانكماش الحاد غير المسبوق في الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسبة تجاوزت 82%، رافقه ارتفاع معدل البطالة إلى 80%. كما امتد هذا التراجع إلى اقتصاد الضفة الغربية بنسبة فاقت 19%، مع ارتفاع معدل البطالة إلى 35%. وفي المحصلة، أدى ذلك إلى تراجع الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 28%، رافقه ارتفاع في معدل البطالة ليصل إلى 51%.
لقد كان للأردن دور ملموس وفاعل في قيادة الجهود الإقليمية والدولية المرتبطة بإغاثة سكان قطاع غزة خلال العدوان الذي استمر لأكثر من خمسة عشر شهراً؛ سواء من خلال المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والاحتياجات الأساسية الأخرى، وتشير التقارير إلى أنه تم تسيير 140 قافلة، شملت نحو 5063 شاحنة، ما أسهم في تخفيف حدة الأوضاع الصعبة التي يعاني منها الناس في القطاع.
كما ساهم الأردن في إنقاذ أرواح الآلاف من أبناء قطاع غزة من خلال المستشفيات الميدانية والكوادر الطبية، التي كان لها دور بارز في توفير الخدمات الطبية، بعد أن أخرج الاحتلال معظم مستشفيات القطاع عن الخدمة.
إن هذه الجهود تأتي في إطار العلاقات الأخوية المتينة والروابط التاريخية بين المملكة الأردنية الهاشمية وفلسطين برئاسة فخامة السيد الرئيس محمود عباس، ونتوجه بالشكر الجزيل لجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين على رعايته واهتمامه الشخصي بتقديم هذه المساعدات الإنسانية لأبناء شعبنا في قطاع غزة، ما يعكس عمق العلاقة التي تربط الشعبين الفلسطيني والأردني.
واستناداً إلى ذلك، وبعد توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزه ضمن صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى برعاية دولية، فإن الملامح الاقتصادية للعام 2025، ستبنى على ثلاثة سيناريوهات متوقعة يمكن تلخيصها في ما يلي:
أولاً. السيناريو الأساس
تنبني الافتراضات الأساسية التي استند إليها سيناريو الأساس بشأن التنبؤات الاقتصادية للعام 2025، على وقف عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والبدء بتدفق المساعدات الإغاثية، مع استمرار الوضع السياسي والاقتصادي في قطاع غزه دون تغيير جوهري وحقيقي، حيث إن الاقتصاد الفلسطيني سيستمر في مواجهة قيود شديدة على الحركة التجارية والمعابر، بسبب الدمار الهائل الناتج عن العدوان الإسرائيلي، إلى جانب تعطل كبير في حركة العمالة الفلسطينية إلى إسرائيل. كما يفترض هذا السيناريو استمرار التدهور في الوضع المالي للحكومة الفلسطينية، بسبب القرصنة الإسرائيلية لإيرادات المقاصة، إضافة إلى تراجع الإيرادات المحلية بسبب انخفاض النشاط الاقتصادي ودورة الأعمال. وعلى صعيد المنح والمساعدات الدولية، يفترض السيناريو أن المساعدات ستبقى عند مستوياتها المتدنية الحالية. كما يتوقع هذا السيناريو أن يستمر العدوان القائم سياسياً وأمنياً واقتصادياً على الضفة الغربية، من حيث التشديد على حركة البضائع والأفراد فيما بين المحافظات الشمالية.
وبناءً عليه، ووفقاً لهذا السيناريو، من المتوقع أن يبدأ الاقتصاد الفلسطيني تحقيق ارتفاع طفيف تتراوح نسبته بين 1% إلى 2% خلال العام 2025، مقارنةً بانكماش حاد يُقدر بحوالي 28% في العام 2024، ما يشكل إحدى أكبر حالات التراجع الاقتصادي في تاريخ فلسطين. وعلى الرغم من هذا النمو الطفيف المتوقع، فإنه لا يعكس تحسناً جوهرياً في الأداء الاقتصادي، بل يعزى، بشكل أساسي، إلى تأثير قاعدة المقارنة مع عام شهد انكماشاً غير مسبوق في مختلف القطاعات الاقتصادية.
ومن المتوقع أن تسهم مكونات الناتج المحلي الإجمالي ذات المساهمة الأعلى في تحقيق هذا النمو المتوقع، مدفوعاً بنمو الإنفاق الاستهلاكي الخاص، ونمو القيمة المضافة للأنشطة الاقتصادية الرئيسية. ومن المتوقع أن يرافق هذا النمو انخفاض معدلات البطالة إلى 49.2%، مقارنة مع 51.2% في العام 2024.
ونظراً لكون البيئة التي يعمل فيها الاقتصاد الفلسطيني تنطوي على قدر كبير من المخاطر وعدم اليقين، فقد تم تضمين هذه التنبؤات تحليلاً لمخاطر محتملة الحدوث بدرجات متفاوتة (السيناريو المتفائل، والسيناريو المتشائم)، التي من المتوقع، في حال حدوثها، أن تكون لها تداعياتها الإيجابية أو السلبية على الأداء الاقتصادي في المدى القريب.
ثانياً. سيناريو التعافي وبدء إعادة الإعمار
يستند هذا السيناريو إلى توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وما يتبعه من إجراءات على الضفة الغربية، وبدء العودة التدريجية إلى الوضع السياسي كما كان عليه قبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والعودة التدريجية إلى الوضع الاقتصادي بالحد الأدنى، لضمان توفر المستلزمات المعيشية الأساسية لقطاع غزة، وبما يشمل عودة الوضع الاقتصادي كما كان عليه في الضفة الغربية قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتتركز ملامح هذا السيناريو ضمن مجموعة من الافتراضات التي تشمل: تقليل العراقيل والحواجز التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي بين محافظات الضفة الغربية على حركة الأشخاص والبضائع الصادرة والواردة من فلسطين وإليها؛ البدء بعودة العاملين للعمل في إسرائيل والمستوطنات بشكل تدريجي؛ زيادة الدعم المتعلق بإعادة الإعمار التدريجي في قطاع غزة، بما يشمل توفير المدخلات الأساسية العينية والنقدية اللازمة لإعادة بناء وترميم البنية التحتية، وتدفق المساعدات الإغاثية العاجلة لتحريك عجلة الإنتاج بشكل تدريجي على مدار العام 2025؛ استمرار تحويل أموال المقاصة من قبل الاحتلال الإسرائيلي بالآلية نفسها التي كانت قبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتحويل أموال المقاصة المحتجزة لدى الاحتلال خلال الفترة السابقة، الأمر الذي سيؤثر إيجاباً على قدرة الحكومة للإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفي القطاع الحكومي والموردين من القطاع الخاص؛ ارتفاع أرباح القطاع المصرفي نتيجة لزيادة التسهيلات الائتمانية الناجمة عن تحسن النشاط الاقتصادي؛ الارتفاع التدريجي في حجم إيرادات ضريبة الدخل والقيمة المضافة (المحلية والمقاصة)؛ التحسن التدريجي للنشاط الاقتصادي؛ البدء بإعادة الإعمار، ما سيؤدي إلى بدء التعافي الاقتصادي؛ ارتفاع حجم المساعدات الخارجية الداعمة لموازنة فلسطين؛ انفراج في الوضع السياسي القائم في قطاع غزة واستدامة وقف إطلاق النار، بما يضمن إنهاء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وتوفير كافة الاحتياجات الأساسية والإغاثية والصحية لقطاع غزة.
واستناداً إلى هذا السيناريو، من المتوقع ارتفاع مستوى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 19.6% خلال العام 2025 مقارنة مع العام 2024، وبالتالي ارتفاع نصيب الفرد بنسبة 16.9%، وكذلك ارتفاع إجمالي الاستهلاك (الخاص والعام) بنسبة 24.6%، مقارنة مع العام 2024.
ثالثاً. سيناريو انهيار وقف إطلاق النار
يفترض هذا السيناريو مزيداً من التدهور في الوضع السياسي والاقتصادي في دولة فلسطين، من خلال استئناف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة نتيجة انهيار وقف إطلاق النار، وزيادة حدته في الضفة الغربية حتى نهاية العام 2025.
وتتركز ملامح هذا السيناريو على مجموعة من الافتراضات التي تشمل: فرض المزيد من العراقيل والحواجز والتضييق التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي بين محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى حركة الأشخاص والبضائع الصادرة والواردة من فلسطين وإليها، بما يشمل إغلاق المعابر بشكل شبه كامل، وإيقاف العمل بالتصاريح الصادرة للعاملين في إسرائيل والمستوطنات؛ اجتياح محافظات الضفة الغربية، وتدمير البنية التحتية، بما فيها خطوط المياه والكهرباء والاتصالات، وما ينتج عن هذا الدمار من توقف للعملية التعليمية بمراحلها كافة، ومزيد من الإغلاق للمنشآت الاقتصادية؛ استمرار الاقتطاع الجائر وغير القانوني من قبل الاحتلال الإسرائيلي لجزء من أموال المقاصة بمستوى العام 2024 نفسه، ما سيؤثر سلباً ويحد من قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفي القطاع الحكومي والموردين من القطاع الخاص؛ التراجع الملموس في حجم إيرادات ضريبة الدخل والقيمة المضافة (المحلية والمقاصة) نتيجة الاجتياحات المتكررة للمحافظات الفلسطينية من قبل الاحتلال الإسرائيلي وتدمير البنية التحتية والمصانع والشركات؛ بقاء مستوى المساعدات الخارجية الداعمة لموازنة فلسطين بالحد الأدنى كما كانت في العام 2024، مع تدفق للمساعدات الإنسانية على قطاع غزة بالحد الأدنى؛ توقف كامل في المشاريع التطويرية، إضافة إلى انخفاض دعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر؛ مزيد من التضييق على القطاع المصرفي نتيجة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي فيما يخص العلاقة المصرفية بين الجانبين.
واستناداً إلى هذا السيناريو، من المتوقع أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.5% خلال العام 2025، وبالتالي انخفاض نصيب الفرد منه بنسبة 7.6%، وارتفاع إجمالي الاستهلاك (الخاص والعام) بنسبة 1.2%، مقارنة مع العام 2024.