على الولايات المتحدة الاستعداد للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني ما بين محاولة التفاوض مجددا أو التصعيد العسكري. ويتعين على أميركا أن تكون مستعدة لاستهداف المواقع النووية إذا فشلت الدبلوماسية، مع تقييم عواقب العمل العسكري على المنطقة والعالم.
* * *
على مدى عقدين من الزمن، دعا الصقور في واشنطن الولايات المتحدة إلى مهاجمة البرنامج النووي الإيراني. وعلى مدى عقدين من الزمن، قوبلت دعواتهم بالرفض، لأنه خلال معظم ذلك الوقت، كانت الحجة ضد العمل العسكري مقنعة وبسيطة. لقد كانت قدرات إيران النووية غير ناضجة. وكان المجتمع الدولي متحدا حول ضرورة أن تثبت طهران سلمية نواياها النووية بالكامل، بالتالي كان متحدا بصورة معقولة في فرض عقوبات على البلاد عندما اتضح أنها لم تكُن كذلك. وفرضت هذه العقوبات كلفا باهظة دفعت الجمهورية الإسلامية إلى الدخول في مفاوضات.
ما زالت هناك أسباب وجيهة عدة لعدم قصف إيران. فتوجيه ضربة لها سيبث مزيدا من الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وسيستنزف موارد أميركية كبيرة في وقت تريد واشنطن التركيز على مناطق أخرى. وقد يقوض مصداقية الولايات المتحدة إذا لم تنجح الهجمات. كما أن احتمالات الفشل كبيرة، فحتى الضربات الأكثر دقة قد لا تؤدي سوى إلى تأخير تحول إيران إلى قوة نووية. ويبقى الحل الأفضل والأكثر ديمومة للقضية هو التوصل إلى اتفاق دبلوماسي.
ولكن اليوم، الحجة ضد العمل العسكري ليست بهذه القناعة. فالبرنامج النووي الإيراني لم يعُد وليدا، بل في الواقع، أصبح لدى إيران كل ما تحتاج إليه لصنع سلاح نووي. وفي الوقت نفسه، فإن طهران أكثر ضعفا وأمس حاجة إلى رادع جديد مما كانت عليه قبل بضع سنوات: فشبكة شركائها في حال يرثى لها، وقد ضربت إسرائيل أهدافا داخل حدود إيران مرات عدة في العام 2024. كما أن المجتمع الدولي منقسم الآن في شأن الضغط على النظام الإيراني من عدمه. وما تزال هناك عقوبات قاسية على إيران، لكن الصين والهند وروسيا، من بين دول أخرى، تخرقها باستمرار. قد يكون استئناف التنفيذ الكامل للعقوبات ممكنا، لكن ذلك سيتطلب تعاون الصين خصوصا في وقت تواجه بكين عداء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن. وبالمثل، فإن علاقة روسيا مع إيران أقوى مما كانت عليه منذ عقود، تعززها العلاقات الدفاعية المتبادلة. وحوافز طهران لتغدو قوة نووية أكثر اليوم من أي وقت مضى، ومن المرجح أن تكون الكلف المتوقعة لهذا التحول قد تضاءلت.
وبالنظر إلى أخطار العمل العسكري، يجب على الولايات المتحدة أن تقوم بمحاولة أخيرة وبحسن نية للتفاوض على وقف برنامج طهران النووي في وقت مبكر من فترة إدارة ترامب. ولكن ما لم تكُن مستعدة للعيش في العالم أسهمت الأسلحة النووية الإيرانية في نشأته، فقد لا يكون أمامها خيار سوى مهاجمة إيران -وقريبا. وتقتضي الحكمة أن تخطط واشنطن لعمل عسكري الآن وأن تحرص على أن تفهم إيران أن هذا التهديد حقيقي، حتى وهي تحاول اتباع المسار الدبلوماسي مرة أخرى.
مساوئ الدخول في الصراع
هناك عدد من الأسباب الداعية إلى إعطاء الدبلوماسية فرصة أخيرة. أولا وقبل كل شيء، لا يعرف المسؤولون الأميركيون ما إذا كان الهجوم العسكري سينجح أو لا. وقد تمتلك الولايات المتحدة وشركاؤها الوسائل اللازمة لتدمير جميع المنشآت النووية الإيرانية الرئيسة. ولكن هذا لا يضمن القضاء على جميع المواد النووية في البلاد، أو في الواقع جميع معداتها النووية التي يمكن أن يكون بعضها مخبّأ في مخازن مدفونة في أعماق الأرض. وقد تقوم طهران، إما تحسباً أو كردّ سريع على الضربات الأميركية، بتحويل بعض من اليورانيوم عالي التخصيب إلى مواقع سرية، مما يحافظ على ما يكفي من المواد التي تمتلكها البلاد لإنتاج قنابل متعددة بسرعة.
وإذا ما تعرضت إيران لهجوم من جانب قوة نووية معلنة -وهو تصنيف ينطبق على الولايات المتحدة- فإن طهران ستكون محفزة من جديد لتطوير قوة ردع خاصة بها، وقد ترى أن لديها شرعية دولية أكبر للقيام بذلك. ومع وجود اليورانيوم المخصب في يدها، فإنها ستمتلك بالفعل المكون الرئيس. فالعناصر الأساسية لصنع القنبلة معروفة لدى إيران، وبالتالي ستكون في وضع يسمح لها بالتجميع السريع. ولهذا السبب ركز الاتفاق النووي للعام 2015، أو “خطة العمل الشاملة المشتركة”، على منع حيازة المواد النووية بدلا من التركيز على معدات أو صواريخ التسليح.
وفي الواقع، يعني تطوير إيران لخبراتها النووية على مدى عقود من الزمن أن بإمكانها إنتاج سلاح نووي حتى لو أدت الضربات العسكرية إلى جعل جميع معداتها وموادها الموجودة غير صالحة للاستخدام. سوف تستغرق استعادة برنامجها النووي بعض الوقت، لكن الهجوم الذي قد يدمر نطنز ومواقع أخرى لن يكون نهاية المشكلة أكثر من مقتل الفيزيائي الإيراني محسن فخري زاده في العام 2020، أو الهجوم على موقع إنتاج أجهزة الطرد المركزي الإيراني في العام 2021. ولم يؤد تفجير مفاعل تموز (أوزيراك) في العراق، في العام 1981، إلى إنهاء برنامجه النووي، بل إن برنامج الأسلحة النووية العراقي تكثف خلال السنوات التالية. ربما كان قصف مفاعل الكبر في سورية، في العام 2007، أكثر نجاحاً، لكن غرق البلاد في حرب أهلية يجعل من الصعب تقييم الآثار طويلة الأجل للضربة على عملية صنع القرار النووي.
ولسحق تطلعات إيران النووية بصورة نهائية، قد تضطر الولايات المتحدة إلى مهاجمة إيران على نحو دائم أو تنفيذ هجوم أكبر بكثير -هجوم يقضي على عناصر من قوات الأمن أو النظام في البلاد. وستكون كلتا المهمتين أطول بكثير وأكثر مشقة من حملة محدودة، ومن الحماقة افتراض أن واشنطن لديها الالتزام المطلوب لإتمام أي منهما. وهذا يعني أن توجيه ضربات إلى إيران سيثير مشكلات في المصداقية بالنسبة إلى القادة الأميركيين، لا سيما إذا تخلت واشنطن في نهاية المطاف عن هجماتها وأنتجت طهران سلاحاً.
وعلاوة على ذلك، بمجرد بدء الضربات، من الصعب تخيل أنه سيكون هناك تحول سريع إلى الدبلوماسية، ما لم يحدث تغيير في الحكومة الإيرانية. فتغيير النظام في حد ذاته ليس ضمانة لتحقيق نتيجة أفضل، سواء في ما يتعلق بالبرنامج النووي أو الأنشطة العدوانية الأخرى للنظام. وحتى لو انهارت الجمهورية الإسلامية، فقد يحل محلها نظام أكثر شراسة. وقد تنزلق إيران إلى الفوضى. وقليلون هم الذين قد يتحسرون على نهاية الحكومة الحالية في البلاد، بخاصة أولئك الذين تعرضوا للقمع على أيديها طوال 40 عاماً. إلا أن هناك سببا يجعل الإيرانيين قلقين أيضا من أخطار عدم استقرار النظام، وهم قلقون منذ أن شهدوا الربيع العربي.
بغض النظر عن النتيجة، فإن الهجمات على إيران من شأنها أن تستنزف موارد الولايات المتحدة. هناك تقارير مقلقة بالفعل عن نقص في الذخيرة واعتراضات الدفاع الصاروخي الأميركية.
وستأتي الكلف الإضافية في وقت غير مناسب لواشنطن، الوضع الدولي اليوم معقد، فروسيا تواصل شن حرب على أوكرانيا، وهناك خطر أن تغزو الصين تايوان، والشرق الأوسط بأكمله تقريباً غير مستقر، ومن شأن شن حملة عسكرية جديدة ضد إيران أن يُثقل كاهل الولايات المتحدة، بصورة خاصة إذا كانت أوروبا والجنوب العالمي وشركاء واشنطن العرب ضد العمل العسكري الأميركي، أو في أفضل الأحوال متشككين في هذا العمل العسكري -وهو ما قد يكون موقفهم جميعاً.
إبرام صفقة
إن الكلف الباهظة لمهاجمة إيران تعني أن على الولايات المتحدة أن تحاول مرة أخرى اللجوء إلى الدبلوماسية. وهناك أسباب تدعو إلى التفاؤل بأنه على الرغم من الوضع المتقلب، يمكن للبلدين التوصل إلى اتفاق. ففي نهاية المطاف، للدبلوماسية سجل حافل بالنجاح عندما يتعلق الأمر بإبطاء التطلعات النووية الإيرانية. وقد أدت المبادرات الأوروبية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى تعليق الأنشطة النووية الإيرانية على المدى القصير، وعندما فشلت هذه المبادرات على المدى الطويل، أُجبرت روسيا والصين على دعم عقوبات الأمم المتحدة. وفي العام 2013، أوقفت خطة العمل المشتركة التقدم النووي الإيراني للسماح بسنتين من المفاوضات التي أسفرت عن “خطة العمل الشاملة المشتركة”. وقد جمدت هذه الصفقة الأخيرة أجزاء كبيرة من البرنامج النووي الإيراني مع إخضاعه لمراقبة دولية أكثر صرامة.
وقد فشلت كل واحدة من هذه المبادرات في نهاية المطاف. ولكن، على الرغم من أن إيران كانت مسؤولة عن إنهاء اتفاقات التعليق التي جرى التفاوض بشأنها مع الأوروبيين، فإن طهران التزمت بتطبيق بنود “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وهي حقيقة اعترفت بها حتى إدارة ترامب الأولى في تقاريرها الإلزامية إلى الكونغرس بشأن الاتفاق. وقد انهارت “خطة العمل الشاملة المشتركة” لأن الرئيس المنتخب دونالد ترامب انسحب منها في ولايته الأولى. لكن ترامب الآن في وضع جيد يسمح له بهندسة بديل لها تحديداً لأنه أنهى الاتفاق الأخير. وقد انهارت المحادثات الرامية إلى إعادة الولايات المتحدة وإيران للامتثال الكامل والمتبادل لـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” للعامين 2021 و2022 لأن الإيرانيين لم يثقوا بالتزام الولايات المتحدة بالاتفاق بعد انتقال السلطة، ولأن الولايات المتحدة رفضت النظر في مقاربات دبلوماسية أخرى. ومع ذلك، إذا وافق ترامب نفسه على اتفاق جديد، فقد تعتقد إيران بأن الاتفاق سيصمد. كان معظم الديمقراطيين داعمين للدبلوماسية، وإذا وافق ترامب على الاتفاق، فقد يوافق الجمهوريون أيضاً.
على الرغم من أن التوصل إلى اتفاق ممكن ومحبذ، فإن إبرامه فعلياً سيكون صعباً. وقد أبدى ترامب اهتمامه بما يصفه بصفقة “بسيطة” لحرمان إيران من الأسلحة النووية، لكن شروط أي اتفاق يجب أن تكون مركبة لكي يكون لها تأثير كبير، إذ سيتعين على طهران وواشنطن التوصل إلى اتفاق حول المدى الذي يجب أن تصل إليه القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، وما إذا كان يجب وضع قواعد تتعلق بسلوك إيران الإقليمي، وما هو تخفيف العقوبات والضمانات الأمنية التي قد تحصل عليها إيران. وسيتطلب التوصل إلى حل لجميع هذه القضايا مفاوضات مكثفة -بخاصة لضمان أن يكون الاتفاق مستداما وقابلا للتحقق منه وقابلا للتنفيذ- وسيتطلب مشاركة مزيد من الأطراف إذا ما أريد التركيز على القضايا الإقليمية، إن المحادثات متعددة الأطراف صعبة في أفضل الأوقات، لكن الحرب الروسية في أوكرانيا والتوترات بين بكين وواشنطن هما مجرد عاملين من بين عوامل أخرى تجعل من الصعب للغاية تنسيق مثل هذه العملية اليوم.
الضربة الأولى
ومع ذلك، ما يزال هناك سبب للأمل في أنه مع ما يكفي من الوقت والبراعة، يمكن لطهران وواشنطن التوصل إلى نوع من الاتفاق. ولكن على الرغم من الانتكاسات الاستراتيجية ونقاط الضعف التي تعانيها إيران والتي كانت في المقام الأول نتيجة للهجمات الإسرائيلية على وكلاء طهران وعلى إيران نفسها في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2024، فإن التقدم النووي الإيراني جعل الوقت مورداً غير متاح، وإذا انتهجت الولايات المتحدة مقاربة “الضغط الأقصى” لتليين موقف إيران من أجل إجراء محادثات لاحقة، فقد ترد إيران بإخفاء موادها النووية أو بناء قنبلة نووية أو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، أو الثلاثة معاً، وفي حال فشلت محاولات التوصل إلى اتفاق، يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام جيشها.
لن تشكل الأسلحة النووية الإيرانية تهديداً وجودياً على المدى القريب للولايات المتحدة. فالأسلحة النووية التي تمتلكها واشنطن ستفوق إلى حد كبير أي مخزون إيراني من الأسلحة النووية، كما أن إيران ما تزال تطور قدراتها الصاروخية الباليستية العابرة للقارات. ومع ذلك، إذا طورت إيران أسلحة نووية، فإن ذلك سيشجع الآخرين في الشرق الأوسط على أن يحذو حذوها، مما سيؤدي إلى سباق تسلح مستقبلي قد يقود إلى حرب نووية. وحتى لو لم تنقل إيران أسلحة نووية إلى جماعات وكيلة –على الرغم من أن قرار إيران بتزويد الحوثيين و”حزب الله” بصواريخ باليستية يجعل مسألة نقل الأسلحة النووية تبدو أكثر منطقية- فإن ترسانتها النووية قد تصبح هدفاً للجماعات الإرهابية أو الإجرامية. كما أن كثيراً من شركاء الولايات المتحدة سيقعون في مرمى نيران إيران، وكذلك الحال بالنسبة إلى إمدادات كبيرة من موارد الطاقة في العالم. وبالتالي، فإن عالماً تمتلك فيه إيران أسلحة نووية سيكون عالماً أكثر خطورة بكثير بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها.
سيكون من شأن مهاجمة البرنامج النووي الإيراني أن يعود بفوائد استراتيجية تتجاوز مجرد منع عدو خطر من امتلاك السلاح النووي. وعلى سبيل المثال، سيكون من شأن الضربات أن تزيد من استنزاف موارد طهران المحدودة بالفعل. وستواجه إيران صعوبة أكبر من أي وقت مضى في تهديد المصالح الأميركية. وستضطر إلى الموازنة في الوقت نفسه بين استعادة برنامجها النووي وإعادة بناء “حزب الله” وإعادة تخزين قوتها الصاروخية وإدارة مشكلاتها الاقتصادية الإجمالية. كل هذا في حين ما تزال تحت العقوبات. ببساطة، ستضطر إيران إلى اتخاذ خيارات حقيقية في ما يتصل باتجاهها الإستراتيجي. وستفقد كل أنظمة ووسائل الردع الرئيسة لديها، ولن تتمكن بعد الآن من اللجوء إلى الأسلحة النووية كخيار رخيص وسريع لاستعادتها.
ومن شأن إضعاف إيران أن يعود بالنفع على الشرق الأوسط. قد تتلقى الحكومة الإيرانية دفعة محدودة في دعمها الشعبي بعد الهجمات الأميركية، ولكن اعتماداً على شدتها ونطاق استهدافها وأي أضرار جانبية غير مقصودة، قد يرى فيها مواطنون إيرانيون أيضاً فرصة للضغط على النظام من أجل التغيير. ولا يبدو أن الهجوم الإسرائيلي على إيران في تشرين الأول (أكتوبر) 2024 قد أحدث تأثيراً ملحوظاً في “رص الصفوف”، مما يشير إلى أن الهجوم الأميركي قد لا يحدِث ذلك أيضاً. وعلاوة على ذلك، سيكون لدى طهران وقت وموارد أقل لمضايقة جيرانها أو المساس بهم بعد هجوم أميركي، وسيكون لديها حافز أكبر للعمل بدلاً من ذلك نحو ترتيبات أمنية إقليمية بناءة، كما أن انتكاساتها ستقلل من الضغط على الدول الأخرى لامتلاك ترساناتها النووية الخاصة بها.
وأخيراً، فإن مهاجمة البرنامج النووي الإيراني يمكن أن تساعد في تعزيز مصداقية الولايات المتحدة -على الرغم من أن الفشل قد يؤدي إلى إضعافها، فعلى مدى العقدين الماضيين، نشأت شكوك في العالم حول التزام واشنطن بالتصدي للتهديدات، ويرجع الخطأ في ذلك إلى الحزبين، فقد وضعت إدارة أوباما خطاً أحمر أمام استخدام الرئيس السوري السابق بشار الأسد للأسلحة الكيماوية ثم رفضت تطبيقه، ولم يرد ترامب على هجمات عدة لإيران على القوات الأميركية والبنية التحتية للطاقة الخاصة بحلفاء الولايات المتحدة، على الرغم من تعهداته بالتحرك، وإذا رأت الحكومة الأميركية الآن أن إيران ستصبح نووية على الرغم من الوعود المتكررة بعدم السماح لها بذلك، سينتاب الدول المنافسة مزيد من الشك حول مدى استمرارية الالتزامات الأميركية، مما يعرض أصدقاء واشنطن وحلفاءها لأخطار جسيمة.
ومن المؤكد أن ضرب إيران ليس الطريقة الوحيدة (أو ربما حتى الأفضل) لتعزيز النظرة إلى القوة الأميركية، ولكنه يسهم في ذلك المسعى.
هذا يفترض، بطبيعة الحال، أن ضربات واشنطن ستمضي قدماً بما فيه الكفاية لتنجح في نهاية المطاف في منع التسلح النووي الإيراني، ويمكن للولايات المتحدة، من دون أدنى شك، تدمير المنشآت النووية الإيرانية المعروفة، لكن ذلك وحده لن يمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، ومن المرجح أن يتطلب مثل هذا الإنجاز أكثر من جولة واحدة من الضربات ووجوداً عسكرياً أميركياً طويل الأمد واستعداد الولايات المتحدة لتوسيع نطاق هجومها إلى ما هو أبعد من المنشآت النووية لاستهداف صناع القرار في إيران، وعلى هذا النحو، ستحتاج الولايات المتحدة على الأرجح إلى شن ضربات تركز على أصول النظام أو قوات الأمن، حتى لو أدت إلى عدم الاستقرار الداخلي، وعليها أن تفكر الآن في كيفية تصميم تلك الضربات للحد من العواقب السلبية لعدم الاستقرار هذا، قد يبدو الحديث الفضفاض عما تسمى بـ”الضربات البسيطة” -أو كيف يمكن لواشنطن أن تحل تحدياً استمر لعقود من خلال بضع طلعات جوية بالقنابل– جذاباً، ولكن ليس هناك بديل عن التقييم الجاد والصادق والمستمر لأنواع الهجمات التي يمكن أن تنجح، والمدة التي يجب أن تستمر فيها، ومقدار كلفتها، وكيفية تجنب أسوأ النتائج.
أزمة هادئة
إن نفوذ واشنطن على حسابات طهران النووية محدودة في نهاية المطاف، فلا أحد في الولايات المتحدة يعرف كيف ينظر المسؤولون الإيرانيون إلى مأزقهم الحالي، وقد تكون عودة عقوبات الضغط الأقصى هي الدافع للتسلح النووي، لكن الضربات التي تلقتها إيران بالفعل من إسرائيل، إضافة إلى اقتصادها المتعثر، يمكن أن تكون كافية بالفعل لتحفيزها على اللجوء إلى السلاح النووي في الوقت الذي تختاره، ينبغي لواضعي السياسات الأميركية أن يأخذوا في حساباتهم أن امتلاك إيران أسلحة نووية قد يصبح أمراً حتمياً يتعين التعامل معه، مع إدراك أن الفرصة لتجنب هذا السيناريو ما تزال محدودة.
لذلك، حان الوقت لكي تنظر واشنطن في اتخاذ خطوات صارمة. فعندما تفاوضت الولايات المتحدة على “خطة العمل الشاملة المشتركة”، رأت أن إبقاء إيران في فترة تجاوز العتبة النووية لمدة عام واحد -وهي الفترة اللازمة لإنتاج ما يكفي من المواد النووية القابلة للاستخدام لصنع سلاح نووي- كان ضرورياً لإعطاء الولايات المتحدة وشركائها فرصاً لإيجاد مخارج دبلوماسية، وإذا لزم الأمر لحشد العالم وراء رد عسكري، لكن هذا الحاجز انتهى منذ فترة طويلة. فقد بدأت إيران في الخروج عن السيطرة منذ أن شرعت في إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة العام 2021. ويعكس الهدوء النسبي للأزمة النووية الحالية بين إيران والولايات المتحدة انشغالهما في الحروب المستعرة في أماكن أخرى أكثر مما يعكس ضبط النفس من جانب طهران أو الدبلوماسية الفاعلة من جانب واشنطن، وليس هناك ما يضمن أن الأزمة ستبقى هادئة لفترة أطول. وينبغي النظر إلى حقيقة أن القوة العسكرية قد تكون ضرورية لمنع الاختراق النووي الإيراني على أنها فشل في السياسة من جانب الحزبين. إن سلبيات الضربة العسكرية خطرة. وبالتالي سيكون المسار الأكثر أمانا هو القيام بمحاولة أخرى للتفاوض. ولكن إذا فشل ذلك، يجب على واشنطن أن تكون مستعدة.
*ريتشارد نيفيو: باحث بارز في “مركز سياسة الطاقة العالمية” بجامعة كولومبيا، وزميل مساعد في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”. شغل منصب نائب المبعوث الخاص لشؤون إيران خلال إدارة بايدن وفي مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية خلال فترة إدارة أوباما. هذا المقال مترجم عن “فورين أفيرز”، حيث نشر في 2 كانون الثاني (يناير) 2025.