كلما مرت كارثة ظن العرب والكثير من دول العالم الثالث أن الآتي سيكون أفضل مما كان.
يشاهد العالم اليوم حجم الدمار في غزة. كارثة لم يشاهدوا مثلها منذ الحرب العالمية الثانية. لم يشاهد ما جرى في جنوب لبنان بعد.
عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب سيداً جديداً للبيت الأبيض. اتخذ العديد من المواقف مسبقاً، وأطلق وعوداً، وعبر عن نيّات ورغبات وسياسات.
ليس من المرجح أن تكون كندا الولاية الحادية والخمسين، ولا غرينلاند الثانية والخمسين. أما تسمية خليج المكسيك وقناة بنما، فقصتان تعنيان الجوار أكثر مما تعنيه لما وراء البحار.
ما الذي ينتظر العالم خلال السنوات الأربع المقبلة في عهد الإدارة الأميركية الجديدة؟
توحي تصريحات مسبقة للرئيس ترمب قبل تنصيبه، مثل مساحة إسرائيل الصغيرة (ماذا عن مساحة فلسطين؟)، وجحيم الشرق الأوسط إن لم يُفرج عن الرهائن، بأن القضية الفلسطينية وحل الدولتين، ليست أولوية.
الإدارة الأميركية الجديدة، وعلى رأسها الرئيس ترمب، تطمح إلى إدارة الكرة الأرضية وليس الولايات المتحدة فحسب.
نظرة استعلائية تجاه أوروبا، ووعد بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، ورغبة في احتواء الصين، أو ربما تجاوز الكثير من القضايا العالمية لحصر الخصومة مع الصين.
ويبدو أن العالم لن يسمع كثيراً عن هيئة عالمية كبرى اسمها الأمم المتحدة خلال السنوات القليلة المقبلة، وربما لفترة أطول.
ما الذي تنتظره منطقتنا أمام هذا الواقع الجديد؟ لم نعد نتحدث عن الدور العربي، بل عن الشرق الأوسط.
تمارس تركيا دوراً جديداً عبر الملف السوري بصيغة الأمر الواقع. وتحاول إيران إعادة تموضعها استعداداً لحوارات جديدة مع الغرب للحفاظ على قوتها إقليمياً بحيث تظل قادرة على التدخل في شؤون جيرانها.
أما العرب، فلا حد أدنى لامتلاك أسباب القوة في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية والغربية في المدى المنظور. حتى قوة المال تراجعت، وإن لم تتراجع فستوضع في كفة الميزان الراجحة.
أردنياً، وفي مواجهة التهديد الحقيقي الذي تواجهه القضية الفلسطينية من جهة، والسياسات التوسعية العدوانية الإسرائيلية المسكوت عنها غربياً، فوحدتنا هي سلاحنا الأمضى في قوة بلدنا وقدرته على التماسك وردع أحلام التوسع، وعلى دعم صمود أشقائنا الفلسطينيين ومساندة أشقائنا السوريين في إعادة بناء بلدهم.
احتاج لبنان إلى نصف قرن للتعافي من حرب أهلية أدت إلى دمار وخراب، ثم إلى عبث دول شقيقة وصديقة وعدوة بمقدراته. وقراراته. انتخاب رئيس للجمهورية بات إنجازاً.
وستحتاج سوريا إلى عقدين من الزمان لإعادة بناء الدولة والوحدة الوطنية وحماية الحدود ومحاربة الأطماع والتدخلات والاحتلال.
سلوك الأشقاء العرب، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي ومصر وعلى وجه الخصوص تجاه سوريا ولبنان، سيكون عاملاً مؤثراً في المرحلة القريبة المقبلة من النواحي السياسية والاقتصادية. فالأردن هو الأقرب إلى سوريا ومؤهل لأن يلعب دوراً استثنائياً في دعم استقرارها، ودعم استقرار لبنان كذلك.
في السياسة الأميركية، وإذا ما نفذت الإدارة الأميركية الجديدة بعضاً من طموحاتها في أميركا الشمالية وأوروبا وشرق آسيا، فلن تكون منطقتنا سوى قضية صغيرة مؤجلة وسط إشكالات دولية مستعصية. لن نكون بالنسبة للولايات المتحدة سوى ساحة خلفية لإسرائيل.
مهمان لمواجهة ما تبقى من العقد الثالث في الالفية الثالثة لترمب.
مشهد عالمي أكثــر قسـوةً* فيصل الشبول
7
المقالة السابقة