يترقب المتابع المحلي افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس النواب العشرين مطلع الأسبوع المقبل، والتي سيرافقها مجموعة من الاستحقاقات الدستورية أهمها انتخاب رئيس مجلس النواب والمكتب الدائم المؤلَّف من نائبي الرئيس ومساعديه، وذلك لسنة شمسية واحدة عملا بأحكام الدستور والنظام الدخلي لمجلس النواب.
وتشير التقارير الصحفية إلى انحصار المنافسة على منصب الرئيس بين نائبين اثنين هما المحامي والقانوني المخضرم صالح العرموطي مرشح حزب جبهة العمل الإسلامي، والرئيس السابق لمجلس النواب أحمد الصفدي مرشح حزب الميثاق.
وبصرف النظر عن هوية الرئيس القادم التي ستحسمها التحالفات الحزبية والعلاقات الشخصية مع النواب الجدد، فإن الطابع الحزبي لمجلس النواب العشرين سوف يمتد ليشمل منصب الرئيس، الذي يناط به مهام إدارية هامة وردت في المادة (8) من النظام الداخلي لمجلس النواب تشمل رئاسة جلسات المجلس وإعلان افتتاحها وانتهائها وضبطها وإدارة النقاش فيها، ووضع جدول أعمال الجلسات، وإعلان قرارات المجلس ومتابعة تنفيذها، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحفظ كرامة المجلس وكرامة أعضائه، بالإضافة إلى رئاسته للجهاز الإداري في المجلس.
ويضاف إلى هذه المسؤوليات اختصاصات مالية أخرى يمارسها رئيس مجلس النواب بموجب قانون الموازنة العامة حيث يتولى صلاحيات رئيس الوزراء ووزير المالية فيما يتعلق بالأحكام المالية والإدارية المتعلقة بمجلس الأمة.
فهذه المسؤوليات جميعها تجعل من رئيس مجلس النواب الرجل الأول في المجلس المنتخب الذي سيكون في الدورة القادمة حزبيا بامتياز، ذلك على خلاف الحال في معظم المجالس الحديثة السابقة التي كان رئيس المجلس يجري اختياره في ضوء دعم الكتل والائتلافات النيابية له، والتي كان الانطباع العام السائد عنها بأنها كتل هلامية رملية تمتاز بعدم الثبات بسبب «السياحة الكتلوية» التي كان يتبعها معظم النواب في المجالس النيابية القديمة.
ويبقى التساؤل الأبرز حول تقييم فكرة رئاسة مجلس النواب من قبل نائب حزبي وصل إلى المجلس العشرين من خلال عضويته في حزب سياسي تنافس على المقاعد المخصصة للقائمة الانتخابية العامة ويقع عليه لزاما بأن يُبقي على عضويته الحزبية طيلة العمر الدستوري لمجلس النواب بالنسبة للمرشح الصفدي، والنائب العرموطي المعروف بانتمائه الإسلامي الذي هو محل احترام وتقدير من الكافة.
إن امتداد نطاق «الحزبية» في مجلس النواب العشرين لتشمل إلى جانب أغلبية أعضاء المجلس، رئاسة المكتب الدائم ينطوي على إيجابيات عديدة أهمها إعادة الثقة بالمؤسسة البرلمانية وبأن تركيبتها قد اختلفت عن المجالس السابقة من حيث العضوية والرئاسة، وبأن الأحزاب السياسية قد نجحت في فرض نفسها كأسلوب شرعي لتولي السلطة والمسؤولية في الدولة.
إن الانطباع العام الذي سيتركه تولي نائب حزبي رئاسة مجلس النواب هو أن العضوية في الأحزاب السياسية لم تعد محرمة أو مجرّمة كما لا يزال يعتقد البعض، وأن الاستفادة من الانتساب للأحزاب السياسية يمتد أثرها ليشمل رئاسة مجلس النواب ابتداء ومن ثم رئاسة الحكومة في المستقبل عند تطبيق فكرة الحكومة البرلمانية بشكلها الكامل.
في المقابل، هناك محاذير يجب التنبيه إليها من تولي نائب حزبي رئاسة مجلس النواب تتمثل أهمها بضرورة أن يراعي الرئيس الحزبي مبدأي الحيادية والموضوعية في ممارسته لمهام عمله، وألا تكون لعضويته في الحزب السياسي أي تأثير على إدارته لجلسات المجلس. فعلى الرئيس الحزبي القادم أن يتوخى العدالة والمساواة في توزيع الأدوار وإدارة النقاش والكلام، وعند وضع جدول أعمال كل جلسة وتنفيذ قرارات المجلس، فهو «رئيس» لجميع أعضاء المجلس بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية والسياسية.
إن الديمقراطيات الغربية تختلف فيما بينها بالنسبة لشرط الانتماء الحزبي لرئيس المجلس المنتخب فيها. ففي الوقت الذي يُسمح به أن يكون رئيس مجلس النواب الأميركي منتسباً لحزب سياسي، فإن القواعد الدستورية في بريطانيا تشترط على رئيس مجلس العموم المنتخب أن يُعلن قبل تبوئه كرسي الرئاسة عن تخليه عن ولائه الحزبي لأي من الأحزاب الموجودة في البرلمان، وذلك لضمان عدم تأثير انتمائه الحزبي على أدائه كرئيس للمجلس المنتخب.
إن فكرة تولي عضو حزبي رئاسة مجلس النواب في الأردن والتي ستبدأ اعتباراً من الأسبوع القادم وستستمر كقاعدة عامة خلال المجالس النيابية المتعاقبة نتيجة للزيادة المضطردة لأعداد النواب الحزبيين وفق أحكام قانون الانتخاب، يستلزم بالضرورة التحوط تشريعيا لهذا الموضوع، حيث يمكن تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب والنص صراحة على إلزامية أن يكون رئيس المجلس حياديا وموضوعيا خلال فترة رئاسته، وذلك تحت طائلة قيام النواب أعضاء المجلس بالتصويت على عزله وفق أحكام المادة (69/3) من الدستور.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة