لا أذيع سرا، فالمجالس أمانات. لكن البوح مباح في حالات من ضمنها الاستئذان، على أي يكون ما فيه بوح خدمة للغير لا للذات، فمادح نفسه كذّاب.
أخذتني دروب الحياة إلى تقاطع قبل نحو ثلاثة عقود. عبرت بعد تفكّر وتدبّر باتجاه قبول عرض وظيفي من وراء سبع بحار غيّر مجريات حياتي كلها. بعد إجراء اللازم فيما يخص العرض والقبول، سألت محدّثي -ويُعرف بالثقافة الأمريكية بصياد الرؤوس أو المُجنّد بالمفهوم المدنيّ الذي يعمل على تشكيل فريق تأسيسيّ لإطلاق مشروع أو مهمة- سألته ما هو المطلوب أو المنتظر مني؟
المرونة، ولم يزد عليها شيئا، رغم محاولتي الاستزادة، توخيا للحرص في تحسّس الأرض أو البحار التي سأخوض غمارها.
من ذلك اليوم إلى آخر حديث بيننا قبل أشهر، ما زالت كلمة السر بيننا هي «المرونة». قد باعدت بين أراضينا دنيا الأخبار وعالم الصحافة الذي ما زال مثلثا غير متساوي الأضلاع، لا يقوم إلا على ثلاثية الأمن والسياسة والمال.
المرونة حقا هي كلمة السر لنجاح أي شيء. هي قيمة روحية أخلاقية قبل أن تكون شخصية أو مهنية. يظن بعض المحرومين من هذه النعمة أنها نقمة، مَنقصة أو مَثلبة. «يرون» فيها نقيض الثبات أو «الصمود والتصدي» لا بل يحسبها ذوو سوء الظن أو النوايا، ضربا من النكوص عن العهد، سياسيا كان أم وطنيا، أيدولوجيا أم روحيا!
في الثقافة الأمريكية ثمة مقولات لا تنمّ إلا عن حكمة بعضها لا يروق لثقافات أخرى من بينها ثقافتنا المشرقية أو العربية. كالدعوة في مواسم التغيير، خاصة غير المتوقعة أو المحفوفة بالمخاطر، الدعوة إلى التزام الصمت وعدم الإتيان بأي حركة. يقولون: ابق رأسك منخفضة. والتتمة، حتى تمر العاصفة الهوجاء بسلام أو بأقل المخاطر. هذا لا يناقض أبدا تشبثنا بأن تبقى الهامات دائما مرفوعة ولا تنحني إلا لله وحده سبحانه. الحكمة ليست نقيض الشجاعة، ولا الدهاء ينقص من المروءة، ولا الفطنة تمسّ الكياسة. في الحديث النبوي الشريف، «المؤمن كيّس فَطِن»..
المرونة أو الواقعية السياسية، أو البرجماتية بما فيه المصلحية الصريحة هكذا «وجها لوجه» وقولا واحدا، إنما هي من أتم الواجبات لمن حمل أمانة المسؤولية، ولكل ما يعني رعاية مصالح الناس، وليس بالضرورة بما يطرب له البعض، خاصة إن كانت ثقافة القطيع هي السائدة بتضليل وتدليس من ثبتت نواياهم المغرضة من أزمات مررنا بها بسلام، وبلايا ورزايا تمكن قادتنا العظام من صون الوطن والعرش والأمانة والرسالة، لمئوية وأكثر، تزيد ويبارك فيها الله عاما بعد عام، ليوبيل ذهبيّ بعون الله.
«كلمة السر» -في سرّك- ليس فقط في السنوات الأربع المقبلة، بل ربما القرن كله هي المرونة. مرونة يقودها الضمير الحي ويوجهها العقل الواعي. مرونة قادرة على التكيف والتغير والتطور بما يحقق مصالح الأردن العليا، حقوق ومصالح الأردنيين أولا وآخرا.
هذا أوان الولاء المطلق والانتماء التام لسيدنا عبدالله الثاني «المحارب الشجاع» وللعرش الهاشمي ولأردننا الحبيب المفدى..