أوَصلت الأمور إلى هذا الحد؟ إلى درجة اعتبار المعركة الانتخابية بين دونالد ترامب الرئيس السابق ومرشح الحزب الجمهوري، وكمالا هاريس نائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديموقراطي، معركة تحاكي ما يراها البعض المعركة الأخيرة آخر الزمان (هرمجدون أو أرمجدون)؟
لن أخوض في أي من السرديات الدينية أو التاريخية، لكنها جميعها تتحدث عن معركة الخير الحتمية مع الشر في منطقة مجدّو في الأراضي المباركة، غرب نهر الأردن العظيم.
قبل سنوات شرفت بزيارة تلك البقعة بالغة الدلالة لدى أحفاد إبراهيم عليه السلام. كان الشعور لا يوصف بالنسبة للوفد السياحي الزائر وكان أردنيا أمريكيا طاف بحبور على مواقع تاريخية ودينية على جانبي نهرنا المبارك، الأردن الخالد.
استحضار معركة الخير مع الشر واجب روحي ورياضة عقلية ونفسية يستعد لها المؤمنون كافة وذوو الضمائر والهمم العالية مع كل طالع شمس. القضية أكبر من انتخابات ومن عملية سياسية ومن نظام سياسي ومن أي دولة أو امبراطورية في العالم قديما وحديثا. القضية قضية إنسان وعلاقته مع ذلك الصوت الكامن في أعماق أعماقه، يذكّره دائما بالخالق العظيم سبحانه.
العنوان لم يكن في صحافة صفراء من بلاد منسية، العنوان كان مقالة كتبها كاتب عمود في صحيفة الغارديان البريطانية العريقة، أرسله من واشنطن لينشر عشية الاقتراع، أي في اليوم الأخير من السباق الانتخابي.
بطبيعة الحال التسمية اللافتة وتشبيه الانتخابات الأمريكية بآرمجدون، فيه الكثير من المبالغة للتدليل على التداعيات الداخلية والخارجية لنتائجها وطبيعة حسمها. أطراف دولية وإقليمية كثيرة ترى في الانتخابات معركة فاصلة، لكنها ليست بالضرورة على أسس روحية أو أخلاقية بل مصلحية. والجميع يدرك أن «المصالح بتتصالح» كما يقول إخوتنا المصريون. السياسة بطبيعتها فن الممكن، وعنوان نجاحها دائما المرونة والقدرة على التكيف والتطور والتطوير، بما يخدم مصالح البلاد العليا. وتلك مسألة يتوافق عليها الجميع أقروا بذلك علانية أم أسروها بين مرشحيهم وناخبيهم. بلادي أولا، هذا هو الحال في أي انتخابات في الدنيا إن كانت حقا انتخابات حرة ونزيهة.
ألف باء الديموقراطية التعبير عن الناس، مصالح الناس، وعليه فمن الطبيعي أن يرى المرشح والناخب المعركة بين الأنا الوطنية والآخر: جارا كان أم شقيقا، منافسا كان أم شريكا، خصما كان أم عدوا. بهذا فقط تكون كل انتخابات ارمجدون وكل الساحات، مجدّو..