حالنا كحال غيرنا هنا في واشنطن. لدينا اليوم عرس ديموقراطي. الدعوة خاصة وعامة معا. أكاد لا أصدق مدى الحماسة التي يبديها بعض متابعي نتائج الانتخابات الأمريكية والتي لا تقتصر على السباق نحو البيت الأبيض بل وحسم رئاستي مجلسي الكونغرس، النواب والشيوخ.
صحيح أن ساكن البيت الأبيض بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية وقائدا أعلى للقوات المسلحة سيقرر بشكل أو بآخر مآلات حربي أوكرانيا والسابع من أكتوبر، إلا أن ما خلا ذلك يعني في المقام الأول الأمريكيين وحدهم.
يعني المواطنين الأمريكيين، وربما المقيمين على أراضي الولايات الخمسين ممن دخلوا البلاد بطرق غير شرعية إبان إدارة بايدن-هاريس والتي يقدرها الرئيس الخامس والأربعون لأمريكا دونالد ترامب بخمسة وعشرين مليونا.. تضاف إلى ذلك أرقام من وصفوا ب «الحالمين» (درييمرز) الذين يريدون تصويب أوضاعهم قانونيا ليدفعوا الضرائب، استنادا إلى سياسة الأمر الواقع التي ترتبت على مخالفة قواعد الإقامة بتأشيرة طالب أو سائح أو مستثمر، أو دخول البلاد والإقامة فيها بطرق تتراوح ما بين المخالفة الصريحة لقوانين الزيارة والإقامة والهجرة وبين الطرق الملتوية ومنها الزواج المؤقت أو زواج المصلحة، وما يعرف ب «الطفل المرساة» (آنكور بيبي) الذي يكتسب الجنسية بالميلاد ومن ثم يكتسبها حُكما الوالدان اللذان يبقيان في حصانة من الترحيل، احتراما لحق الحضانة، وإن كان المولود نتاج علاقة غير مأطرة بعقد زواج شرعي أو مدني. أضف إلى ذلك ما تعرف بسلاسل التجنيس بعلاقات الزواج والقربى. وجميعها من القضايا التي طرحت بقوة في هذا الموسم الانتخابي لأسباب تتعلق في المقام الأول بالأمن والاقتصاد والهوية. هوية البلاد.. التجنيس لدوافع سياسية حزبية أو اقتصادية منفعية، مسألة صارت قضية جوهرية مفصلية تشغل بال الكثير من الوطنيين ليس في أمريكا وحدها بل في العالم كله، خاصة أوروبا. هؤلاء وطنيون لا عنصريين ولا فاشيين. من حق أصحاب البلد أي بلد الحفاظ على هويته خاصة السياسية والاجتماعية، الثقافية والروحية. أي عبث بأي منها لا يعني سوى «اللعب بالنار»..
التعداد السكاني والتوزيع الديموغرافي بات حقيقة ساطعة في جميع الساحات الانتخابية، ما دام الأمر أولا وآخرا اقتراع وعدّ للأصوات ضمن ولايات ومقاطعات. لذلك حتى من يحسبون قانونيا في عداد اللاجئين الشرعيين -بمن فيهم المأمول في تجنيسهم وبالتالي مشاركتهم في «العرس الديموقراطي»- يتم توزيعهم بعناية على مناطق محددة في ولايات مختارة بما يراعي اعتبارات بالغة التعقيد، قطعا من بينها تحديد ملامح المشهد الانتخابي المقبل في 2028 وما بعد!
هو إذن عرس ديموقراطي يفترض أن تكون الدعوة فيه خاصة. الدعوة العامة للفرجة فقط، ربما للجاهة، للزفّة لكن قطعا ليس للمشاركة السياسية بأي شكل من الأشكال. لا أحد يحق له المشاركة في الاقتراع ولا حتى بالإيحاء، فما بالك عندما يصل الأمر إلى حد التوجيه عن البعد، وهي تهمة وجهتها الإدارة الراهنة لأطراف عدة من بينها روسيا وإيران! إيران التي تقول إنها لن ترد على إسرائيل إلا ما بين غداة الخامس من نوفمبر -أي غدا الأربعاء- وحتى عشية يوم التنصيب في العشرين من يناير المقبل! يظن نظام الملالي أن عودة ترامب المرجحة قد تفضي إلى ما لا يخطر على بال: سقوط النظام عبر ضرب سلاحه النووي أو اختراق دبلوماسي كبير على غرار ما تم بين ترامب وكيم زعيم كوريا الشمالية، على حدود الكوريتين، بعد أقل من عامين على توقع الرئيس الأسبق باراك حسين أوباما اندلاع مواجهة حتمية مع بيونغ يانغ كما أسرّ لترامب، وعلى ذمته!