في كتاب جديد للناقد الأدبي إبراهيم خليل بعنوان «فخري قعوار دراسة في فنه القصصي» (110ص) مقدمة وتمهيد وسبعة فصول وخاتمة وثبَتٌ بالمراجع. أما المقدمة فيؤكد فيها المؤلف صلته المتينة بالراحل فخري قعوار الذي عرفه منذ العام 1971 وازدادت تلك المعرفة وتحولت لصداقة متينة زادتها الأيام قوة على قوة.
وفي التمهيد يذكر المؤلف الكثير الجمَّ من التفاصيل عن الحياة القصصية في الأردن، ودور فخري قعوار، وبدر عبد الحق، وهند ابو الشعر، ومحمود الريماوي، ومحمود شقير، وخليل السواحري، وقبلهم كل من عيسى الناعوري، والإيراني، وعبد الحليم عباس، ومحمد أديب العامري؛ جاعلا من هذا التمهيد توطئة للحديث عن فخري قعوار، وأعماله التي توالت بعد مجموعة ثلاثية مشتركة بعنوان » ثلاثة أصوات» 1972.
فقد صدرت «لماذا بكت سوزي كثيرا» 1973 التي تمثل علامة فارقة في القصة الأردنية القصيرة، لا سيما قصة » لماذا بكت سوزي كثيرا» وقصة «المكوك » وقصة «مغارة السنديانه». تلتها مجموعة » ممنوع لعب الشطرنج » 1976 التي تجاوز فيها الكاتب فخري قعوار القوالب التقليدية. واتجه للقصة التي تقوم على الرمز، وعلى توظيف مرجعيّات تاريخية، وأدبية، إما مستمدة من التراث الشعبي، وإما من التراث العربي، مثلما يظهر في قصته التي تناول فيها اغتيال المتنبي، أو استدعاء امرئ القيس- الشاعر الجاهلي–لدائرة ضريبة الدَخْل، ومحاسبته على الناقة التي ذبحها للعذارى يوم الغدير بدارة جُلجًلِ، وفق ما جاء في معلقته المشهورة من اعترافات.
وهذه المجموعة أثارتْ جدلا واسعًا، وكتب عنها كثيرون* منهم محمود شقير الذي تناول المكان المرعب في ممنوع لعب الشطرنج، وأحمد المصلح الذي نشر في الرأي مقالا بعنوان: رؤية مفزعة ذات طابع تدميري، وليانة بدر التي تناولت في (الحرية) ممنوع لعب الشطرنج بين إحباطات الواقع وأمنيات المستقبل.
وأعقبتها مجموعة «أنا البطريرك» 1981 التي شَهدَت نَقْلة جديدة في كتابة القصة القصيرة، تعمَّقت في مجموعة أخرى يَعُدّها الكاتبُ الأفضل بين مجموعاته، مؤكّدًا في كتابهِ » ليالي الأنس» أنها الأولى، وهي مجموعة » البرميل» 1982، وفيها قصَصٌ عدة تخلى فيها عن البداية والوسط والخاتمة. وغلبَ عليها الحوار، والاستغناء عن الحدث القصصي بمفهومة الكلاسيكي، واتخذ من الأشياءَ شخوصًا كما في قصة » المطرقة والسِنْدان» فالمطرقة شخصية تتحدث والسندان هو الآخر شخصية. و في إحداها اتخذ من البعير شخصية تحلّ محل الشخصية المأثورة في القصص، وهي الإنسان.
أما لغته في المجموعة فتميل للسُخرية، والعبارة المجزّأة، والتكثيف الذي يصلُ إلى درجةِ الشُحّ، فتبدو القصة في غايةِ التركيز.
والمعروف أنّ فخري قعوار نشر في العام 1989 مجموعةً جديدة بعنوان «أيوب الفلسطيني» ولا ريب في أنها تتجاوز البناء الموروث للقصة في رأي الدارس. ففيها يركز تركيزًا شديدًا على شخصية (أبو صابر) التي تؤدي أدوارًا متعدّدة لا تخلو من أقنعة يجري تبديلها بين مشهد سرديٍّ وآخر، مما يقترب بالقصة القصيرة من فنّ السيناريو. وقد وصف المؤلف قِصَصَ الكاتب في هذه المجموعة بالتفكيكية كونها تعتمد على ذكاء المتلقي، ونفاذِ بصيرته، في إدراك ما لم تقلْهُ القصة، فيسبرُ أغوارها مُتوصِّلا للمُضمر، أو المسكوت عنه.
وكان الراحلُ قد اختار من مجموعاته المذكورة عددًا من القصص تمثل أفضلها في نظره، ونُشرت جميعًا في بيروت عن دار الآداب، بعنوان » حلم حارس ليلى » 1993. وهي تمثّل فيما يرى المؤلف فرصة لمراجعة آثاره، وإعادة النظر في عطائه القصَصِي الموْصول. وذلك قبل أن يُصدر المجموعة العجائبيّة » دربُ الحبيب » 1996 التي أفرد لها المؤلف فصلا سلَّط فيه الأضواء على الاتجاه الغرائبي في القِصص، مُذكـرًا بمجموعة مختارات أخرى بعنوان » الخيلُ والليل» صدرت ببيروت عن دار الآداب 2006 وتشبه في أهميتها، والهدف منها، مجموعة «حلم حارس ليلي» وإن تضمنت قصصًا أخرى.
وفي الفصل السابع، وعنوانهُ: بعضُ الأنس في» ليالي الأنس» يتناول المؤلفُ كتابا لفخري قعوار بهذا العنوان صدر عن مكتبة عمان 1990. وفيه يُفصح الكاتبُ الراحلُ عن بعض ما مرَّ به من ظروفٍ في طفولته، وفي دراسته، وما لقيه من عناءٍ في سبيل الدراسة الجامعية التي توقّف عن متابعتها في القاهرة لظروف لم يذكرها،لافتًا النظر للقائه بعدد من الكتاب على رأسهم نجيب محفوظ الذي طاف، من أجل فهمه حقَّ الفهم، بعض أحياء القاهرة التي تذكر برواياته: كخان الخليلي، والسكرية، وبين القصرين. ولم يفته أن يشير لما واجهَهُ من صعوبات في البحث عن عمل، سواء في التدريس، أو في دائرة القبول والتسجيل بجامعة اليرموك، أو في مواضع شتّى حتى استقرَّ به الحال في «الرأي».
والكتابُ الذي صدر سنة 1990 يتضمَّن ملاحظاتٍ عن عطائه القَصَصيّ، وما قيل من آراء في بعض قصصه ولا سيما القصَّة الموسومة بعنوان » إضافاتٌ في سِفْر الرُؤيا ». وعن عَنْوَنةِ الكتاب » ليالي الأنس » يقول الكاتب–عليه الرحمة–إنه يأنسُ فيه لشخوص قصصه، ويتحاور معها، ويستمع لاقتراحاتها، واعتراضاتها على الأدوار التي نيطَتْ بها وكانتْ تُفضّل أدْوارًا أخرى.
واختَتَمَ المؤلف دراسته بالقول: مما يستحقّ التنبيه–ها هنا–هو غلبةُ السرْد المكثّف في قصص الراحل قعوار على الاستخدام التقليدي الموروث عن رواد القصة القصيرة عربًا وعالميّين، فلا يلتزم ببداية، ولا بوسط، ولا بخاتمة. وتكرارُ الثنائية في جلّ القصص- ثنائية الرجل والمرأة–معتمدًا السارد المشارك، لا العليم، وتواترُ الحوار، وتغييبُ الحدث المركزي بالمفهوم المأثور عن السابقين، والاقترابُ من السرد العجائبي الذي يروي من المتتالياتِ ما لا يُصدَّق إلا بعد تردّدٍ طويل، وارتيابٍ لا يخًلو من تأويل. وعلى مستوى اللغة يقتربُ، باعتياده استعمال العبارة المجزّأة، والمتكـرَّرة، من لغة القصيدة.