صعود الهيمنة الصهيونية: هل يتكرر سيناريو الحروب الكبرى؟* د. صالح ارشيدات

استرجاع للتاريخ: من برلين إلى غزة

عندما ننظر إلى الماضي، وتحديداً إلى فترة الحرب العالمية الثانية، نجد أوجه تشابه بين النهج العسكري والهيمنة الألمانية النازية آنذاك وما نراه اليوم من سياسات ونهج هيمنة إسرائيلية يمينية.

كانت ألمانيا النازية تسعى لتوسيع حدودها والسيطرة على الموارد، متجاهلة الاتفاقات الدولية ومعاهدات حسن الجوار. ولم يمنع أي اتفاق، سواء كان مع بولندا أو روسيا، الألمان من شن غزوات عسكرية واسعة النطاق أدت إلى احتلال أغلب دول أوروبا. استخدمت النازية آنذاك تفوقها العسكري وغطرستها العرقية كمبررات للتوسع.

اليوم، نجد أن إسرائيل تتبنى عقيدة مشابهة في تطلعاتها التوسعية وسياساتها العسكرية، حيث تستند إلى دعم عسكري غير محدود من الولايات المتحدة، وتتبنى سياسة الهيمنة الإقليمية تحت غطاء ديني وتاريخي. وكما كانت ألمانيا تعتقد في تفوقها العرقي وقدرتها على فرض إرادتها على الآخرين، تمارس إسرائيل نهجاً يشابه ذلك، معتبرة نفسها فوق القانون الدولي ومعاهدات السلام.

منذ عام 1945: استيقاظ الضمير الدولي

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، توصلت الدول إلى ضرورة وجود نظام عالمي يحفظ حقوق الشعوب ويحميها من خطر العدوان. لكن، مع مرور السنوات، أظهرت الحروب والنزاعات الإقليمية، ومنها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أن هذا النظام يعاني من ثغرات، وأن القوة العسكرية ما زالت قادرة على تجاوز القانون الدولي.

إسرائيل، التي ترتبط باتفاقيات سلام مع الفلسطينيين ودول عربية أخرى هدفت الى انهاء الاحتلال للأراضي العربية وإعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير، تتصرف كما لو أن تلك الاتفاقيات غير موجودة. فحملاتها العسكرية، خاصة في غزة، تستهدف المدنيين بشكل مباشر، متجاهلة كل القوانين الإنسانية التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا النهج يجعلنا نتساءل: هل يمكن أن يعود العالم مرة أخرى إلى حالة من الفوضى العسكرية إذا لم تتخذ الدول الكبرى مواقف حاسمة؟

إسرائيل: بين السياسة والدين وغطاء القوة العسكرية

تعتمد إسرائيل في تبرير سياساتها التوسعية على مزاعم دينية وتاريخية، وتبرر هجماتها على غزة المحتلة بالدفاع عن نفسها ضد «التهديدات الإرهابية». لكن الحقيقة التي تبرزها تقارير المنظمات الدولية تكشف أن إسرائيل لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية، وأن استهدافها للمدارس والمستشفيات والأحياء السكنية يشكل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية.

كما أن الغطاء السياسي والدعم المالي الذي تتلقاه إسرائيل من القوى الكبرى يمنحها حصانة شبه كاملة ضد المساءلة الدولية. هذا الدعم يُغذي إحساسها بالغطرسة العسكرية، ويعزز رغبتها في التوسع الجغرافي والسيطرة على الموارد الطبيعية في المنطقة، مثل الغاز والمياه.

التاريخ يعيد نفسه: هل يقف العالم مكتوف الأيدي؟

في أربعينيات القرن الماضي، وقفت الدول الكبرى ضد النازية، وتمكنت آنذاك من إسقاط النظام الألماني. لكن اليوم، تبدو تلك الدول نفسها مترددة في اتخاذ مواقف حازمة تجاه إسرائيل، التي تمارس جرائم إبادة وتطهير عرقي وتجويع للسكان تنتهك بشكل ممنهج حقوق الفلسطينيين وتتجاهل قرارات الشرعية الدولية. هذا التردد يدفعنا إلى التساؤل: هل سيظل العالم مكتوف الأيدي أمام الجرائم التي ترتكب بحق شعب غزة؟

الأبعاد الإقليمية للصراع: من غزة إلى طهران

الصراع الإسرائيلي لا يقتصر على حدود غزة أو الضفة الغربية المحتلتين منذ عقود. فإسرائيل تعتبر نفسها حارساً لمصالح الغرب في الشرق الأوسط، وتروج لنفسها كحاجز أمام «التهديد الإيراني». تتجهز إسرائيل، بدعم من حلفائها الغربيين، لمواجهة إيران، وهذا الصراع يمكن أن يتحول بسرعة إلى نزاع إقليمي أوسع، وربما حرب عالمية جديدة.

التهديد الحقيقي يكمن في طبيعة هذا الصراع، الذي لا يستهدف فقط الدول المجاورة لإسرائيل، بل يمتد ليشكل تحدياً لنظام الأمن الدولي بأسره. فهل سيشهد العالم صحوة ضمير دولية توقف إسرائيل عن تجاوزاتها؟ أم أن هذا الصراع سيتحول إلى نقطة اشتعال جديدة في تاريخ البشرية؟

الحقوق الإنسانية: مطلب أساسي في الصراع الفلسطيني

إن ما يحدث في غزة المحتلة ومحاصرته منذ عقود ليس مجرد نزاع سياسي أو عسكري، بل هو جرائم حرب وابادة جماعية وتطهير عرقي وهو اعتداء مباشر على حقوق الإنسان. فالتقارير والشهادات من غزة تظهر أن إسرائيل تستخدم قوتها العسكرية لتحقيق أهداف سياسية ودينية، متجاوزة كل المعايير الأخلاقية والقانونية. والضحايا هم الأبرياء، الأطفال والنساء، الذين يدفعون ثمن هذا الصراع.

من الضروري على المجتمع الدولي أن يتحرك لإيقاف هذه الجرائم، وأن يتخذ خطوات حازمة لفرض احترام القانون الدولي، وحماية المدنيين، ومحاسبة كل من يرتكب جرائم ضد الإنسانية.

خاتمة: هل من أمل في العدالة والسلام؟

العالم اليوم يقف أمام تحدٍ حقيقي. فإما أن يتخذ خطوات جدية لإيقاف آلة الحرب، وإما أن يكون شاهداً على استمرار الفظائع ضد شعب غزة. المطلوب هو عودة إلى المبادئ الأساسية للعدالة الدولية، وتفعيل دور القانون في فرض العقوبات على من يتجاوزونها.

لقد أظهرت الحروب السابقة أن التخاذل يؤدي إلى كوارث، وأن التحرك الدولي الموحد يمكن أن ينقذ أرواح الملايين. على الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، أن تستيقظ من سباتها السياسي، وتدرك أن التاريخ لن يرحم من يتجاهل حقوق الشعوب.

دعوة للتأمل والتحرك

نحن أمام مرحلة حساسة في تاريخ المنطقة. وما يحدث في غزة قد يكون بداية لصراع أوسع إذا لم يتخذ المجتمع الدولي قرارات حاسمة. قد تكون هذه اللحظة هي الفرصة الأخيرة للعالم لإثبات أن العدالة والإنسانية ليستا مجرد شعارات، بل هي مبادئ أساسية يجب أن تُحترم وتُطبق.

Related posts

الأمم المتحدة … بذكرى 79 عاما على تاسيسها… فشل وإخفاق …هل عفا عليها الزمن ؟ * د فوزي علي السمهوري

المقاومة في الوجدان العربي* د. نادية سعدالدين

السياحة العلاجية والقرارات «الجريئة»* عوني الداوود