جائزة حبيب الزيودي للشعر والدور الرائد لأمانة عمان في الذكرى 12لرحيله

تجيء أهمية جائزة حبيب الزيودي للشعر التي تنظمها دائرة البرامج والمرافق الثقافية في أمانه عمان، بوصفها احتفائيةً بشاعر كبير قدّم شعره وأخلص في التعبير عن قضايا الوطن وهمومه، واحتفى بقيادته الهاشمية، وترك في نفوس الناشئة والأجيال أروع الأشعار والكلمات التي يتمثّلون بها اليوم، مثلما يغنيها المطربون وتعبّر عن الوجه الأردني والثقافة الوطنية الريفية والبدوية والمجتمع الأردني بكل تفاصيله، لدرجة أنّ هذا الشاعر عاش التجربة ولم يكن مقحمًا عليها؛ لأنها أصلًا تجربة ظلّت تلازمه في الجامعة وقبل الجامعة وبعدها، وفرض بصمته الشعرية على المشهد المحلي والعربي، فحقّ له أن يكون في الوجدان الشعبي والرسمي وأن يتم الاحتفاء به سنويًّا وطيلة العام، وفي المناهج المدرسية، ويسير الطلبة على بوحه في الجامعة الأردنية «أم الجامعات»، وفي بيت الشعر الأردني، وفي كل تفصيلة وطنية اجتماعية أحسّ بها حبيب الزيودي ووقف عندها وأثّرت فيه لتخرج قصيدة أو نصًّا شعريًّا ليدخل القلوب ويؤشر على جوانيات الناس وآمالهم وآلامهم وأفراحهم وأحزانهم واعتزازهم غير المنتهي بالوطن والذات.
أمّا جائزة حبيب الزيودي للشعر فإنها وهي تدخل دورتها الرابعة هذا العام 2024، كرّست لدى الشباب الأردني والعربي المشاركين قيمة المسمى، مسمى الجائزة ومعنى أن ترتبط جوائز الشعر بشاعر كبير له اشتغالاته وحضوره الشعري ولغته الخاصة وأفكاره غير المتقادمة أو المكرورة وقضاياه التي يحس المتلقي لها أنها قضايا حقيقية نابعه من الذات، وتحمل القرية والصحراء والمدينة والجامعة والوطن والرموز السياسية والوطنية إلى الناس.
قيل كثيرًا، ويقال، عن العالوك المدينة التي أنجبت حبيبًا الزيودي، والهاشمية، والزرقاء، والجامعة الأردنية، والإذاعة الأردنية والتلفزيون الأردني، ووزارة الثقافة، وجريدة الرأي،.. وجميعها حواضن حملت شعر المبدع حبيب الزيودي وثقافته إلى القراء والمشاهدين والمستمعين.
ولعلّ أمانة عمان، وهي تسير بهذه الجائزة وبكلّ ثقة ودافعية، إلى الاحتفاء بهذه الشخصية وإظهار الكفاءات والإبداعات والخَلق الشعري، والتفتيش عن لغة الشعر من خلال الجائزة،.. لعلها تكون قد رسخت أهمية الرؤية الثقافية للمؤسسة الاجتماعية في الجانب الثقافي، وهو أمرٌ يغذّيه وجود مبدعين داخل هذه المؤسسة، من أمثال الصحفي والأديب الكاتب عبد الهادي راجي المجالي، مدير دائرة البرامج والمرافق الثقافية في أمانة عمان، الذي جمعته بالشاعر حبيب الكلمة والأغنية ووصفي التل والإذاعة والأهزوجة، وحبّ الوطن والتغني بشخصياته وترابه،.. وتحدث إلى «الرأي» كثيرًا عن معنى الجائزة وأهدافها وتكريس المبدعين من خلالها، وفي هذا فإنّ هذه الرؤية حتمًا ستكون عامل قوة للجائزة واستمرارًا لها في ظلّ وجود حالة من التردد في مسابقات الشعر وعدم استمرارها، بل وإنّ مجرد أن تطرح محورا في الجائزة للشاعر العربي المقيم في الأردن إنّما هو تفكير سليم ويوسّع من فكرة الحفاوة ويعزز صورة الأردن الثقافية، في أنّ بلدنا يتوافر على خاصية احترام المبدعين وتقدير منجزهم وجعلهم يتخللون كل نفس شعري للأجيال، بل ويصبحون بمثابة منبّة رومانسي على كثير مما ننساه أو نتناساه.
وفي ذكرى رحيل حبيب الزيودي الذي ما إن تضع اسمه على محرك البحث الإلكتروني حتى تظفر بكل ذلك الفتى النحيل الأسمر ابن العالوك وهو يقول قصائده المبكرة في الجامعه وفي التلفزيون ويصدح بكل ثقة الشاعر العارف بصوته.. وفي ذكراه نحن مدعوون إلى الاحتفاء بمدرسته الشعرية التي يسير عليها شعراء تأثروا به، وإعادة قراءة دواوينه وبسطها للنقاد في كل فترة، لكي يتعلم أبناؤنا وبناتنا ماء الشعر الذي يبتعدون عنه بحجة الغموض واللوغاريتمات في ما يفرحون به من ذهنيات ومدارس.
إنّ دور أمانة عمان وهي تحتفي بمؤسس بيت الشعر فيها والمطلّ على الساحة الهاشمية بعمان، هو دور حقيقي في تكريس متطلبات الجائزة، وحضور أمين عمان الكبرى المهندس يوسف الشواربة داعمًا لها ومؤكدًا لقيمة مبدعها، وربما تصبح هذه الجائزة مؤتمرًا لقراءة أعماله واختيار ثيمة أو فكرة يتم الحديث عنها كل دورة، من خلال قصائده في دواوين ألفناها وحفظناها ورددناها دون ملل، حيث: «الشيخ يحلم بالمطر»، و”طواف المغني»، و”منازل أهلي»، و”ناي الراعي»، و”غيم على العالوك»، وهي جميعها دواوين مبررة وذات إرهاصات وإشكاليات عانى منها الزيودي المستفز دائمًا لأية قضية إنسانية أو وطنية سرعان ما تصبح شعرًا رائعًا للسامعين.
فنجاح الجائزة وتأشيرها على مبدعين ومبدعات، حتى في الشعر النبطي أو الشعبي، باعتبار الشاعر حبيب الزيودي كتب القصيدة الشعبية وكلمات الأهازيج، فارتبطت بالناس «هلا يا عين ابونا»، التي كتبها في بداية تسلّم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية خلفًا للملك الراحل الحسين بن طلال، فكانت الكلمات التي ألهبت إحساس الناس بلهجتهم ومفرداتهم وسارت بها حناجر الفنانين في كل المهرجانات والمناسبات.
تُوفي حبيب الزيودي في 27 تشرين أول 2012 إثر نوبة قلبية مفاجئة، وهكذا هم الشعراء لا تفرح بهم الدنيا كثيرًا، فقبله مات الشاعر عرار مبكرًا في العمر ذاته الذي رحل عنه حبيب.
في ذكرى الزيودي، يستعيد الشعراء الشباب منازل أهل الشاعر بل منازل أهلهم والزيودي يرسم كامل المشهد: كلما دندن العود رجعني لمنازل أهلي، ورجّع سربًا من الذكريات تحوّم مثل الحساسين حولي…».
ويفرح المهتم حين يجد شبابًا يحفظون شعر الزيودي ويتحدثون عن مشروعه الثقافي وتفاصيله الإنسانية ويؤيدون قضاياه وتخومه التي وصل إليها في كتابة القصيدة، بل لقد استعار شبابنا دون أن يفقدوا شخصياتهم وبصماتهم مفردات حبيب وساروا يتغنون بسرو الجامعة والحمام والثلج والورد والمزهريات والمنجل والنوافذ والمطر عن دراية ومعرفة بما تحمله لغة الشعر من رسائل وجماليات.
كان حبيب الزيودي وهو يتحدث في جلسة عبر شاشة أو إذاعة، وأقربها إليه إذاعة الجامعة الأردنية وقبلها الإذاعة الأم في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون،.. كان في صُوَرِهِ ومفارقاته يتحدث شعرًا ويستفيد منه الحاضرون في بديهته وأحزانه، ويعودون بخير عميم.
وهو وإن رحل مبكرًا عن 49 عامًا، فقد كان له حسّه الأصيل الذي ما يزال منذ عام 1986 وحتى 2012، وربما قبل الثمانينات
كان الزيودي مؤثرًا في طلبة الجامعة وأبنائها وزملائه الإعلاميين في الصحافة والتلفزيون والإذاعة، وحين كان يقف بسيارته قريبًا من مكان أثير إنّما كان يبرع في وصف المشهد ويثير في جنباته رومانسية وإحساسًا بفقد الذكريات وجماليات الأيام.
وفي جائزة حبيب الزيودي للشعر، نحن مدعوون إلى متابعة مخرجاتها واحترام القائمين عليها ودعوة كل شعراء الأردن والعرب ليشاركوا بها كل عام، فتتوسع معرفة الشعراء أكثر فأكثر بالشاعر حبيب، ويثرى الشعر والشعراء في نهاية المطاف..

Related posts

الفايز: حماية اللغة العربية مسؤولية تـشاركيـة تقع على عاتق الجميع

افتتاح معرض “العصر الذهبي” للفنانة سامية قعوار في عمان

الفنانة العدوان تشارك في معرض الفن الدولي بـ زيورخ 2025