إدانة الإخوان* عبدالهادي راجي المجالي

عروبة الإخباري –

بداية أنا لا أحب استعمال مصطلح (الإخونج) في الحديث عن إخوان الأردن.. لأن استعمال هذا المصطلح يعني التصغير، وسبق أن استعمله أحدهم في الأردن بدافع الإساءة.. اسمهم (الإخوان) وليس (الإخونج)، والصحافة في الأردن دائماً كانت تحمل لغة نقد وبناء ونصح لا لغة تجريح.. وسأكتب بدافع النصح.

إخوان الأردن تخبطوا بعد عملية البحر الميت، وتخبطوا عند تصريح أحد أعضائهم بتشكيل حكومة ظل، وتخبطوا أكثر في مسألة السيارات (الخردة) والنمر وتخبطوا أكثر وأكثر.. في بيان العقبة والصور الفاضحة.

قبل (30) عاما حين كان الإخوان يصدرون موقفا، كان هذا الموقف يمتلك (مسطرة للقياس).. وأولى وحدات القياس هي الوطنية، الفقه، الدعوة.. كان عبداللطيف عربيات والشيخ أبو زنط، وحتى محمد أبو فارس في مواقفه المتشددة، وقبلهم يوسف العظم.. يقيِّم الموقف على هذه الركائز الـ(3).. بحيث أنه لا يصدر أبدا في الشأن العام إذا اصطدم مع التشريع أو الفقه، ولا ينتجه إذا لم يتماهَ مع مصالح الدولة.. ولا يكتبه إذا كان يخلو من الدعوة والنصح.

انتقل (إخوان الأردن) الآن من ارتداء الشماغ والدشداشة، إلى ارتداء الربطات وزراعة الشعر، ويفتقدون للمرجعية الحقيقية، أنا لا أقول هذا في إطار تجريح الحركة – لا سمح الله – أو نقدها، ولكن أقول في إطار التشخيص الذي قد يصيب وقد يجانب الصواب قليلا..

الإخوان كان لديهم مؤسسة تسمى مجلس الشورى، وهي تضم الأكاديمي والسياسي والعالم بالفقه، ومفسر القرآن.. والعارف بتصنيفات المجتمع، فيه أيضا من يملك فهما لمزاج الدولة…. وكان تصريح أعضاء الحركة للصحافة، أو عملهم في البرلمان لا يصطدم أبدا مع حوارات وفتاوى مجلس الشورى، الآن ما يحدث هو غياب المرجعية الحقيقية لديهم، وهذا يدل على خلل في قيادة الجبهة والحزب، خلل خطير قد يؤدي فيما بعد إلى انقسامات عرضية وأفقية.

مشكلتنا في الإعلام الأردني، أننا نتعامل مع (الإخوان) كتصريح ولا نراقب البنية.. أبدا، والأصل أن نراقب بنية الحركة وشكل القرار فيها ووجهتها السياسية والاجتماعية ونقارن بين الأمس واليوم.. صار كل واحد منا يتعاطى مع ما صرح الإخوان، في إطار (الشو أوف) والرجم.. الأصل ألا نقف عند تصريحاتهم فقط؛ الأصل أن نفكر ونبحث عن سبب غياب المرجعيات الملزمة لديهم، وأن نسأل أيضا أين ذهبت محكمة الإخوان التي كانت تقيم جلسات وتقدم عقوبات وتفصل كل عضو خرج عن إطار الحركة.. وأنا هنا أسأل لو كان في رأس الحركة شخص مثل الراحل عبداللطيف ع?بيات، فهل كان سيسمح لأحد اعضاء الحزب بأن يقول إننا شكلنا حكومة ظل، ويرجم أهم مشروع ثقافي اجتماعي في الدولة وهو جرش، ويصفه بأنه مهرجان فيه خمر.. هل بلغت السطحية بعقل الإخوان هذا المبلغ؟

تحتاج الحركة الآن إلى مرجعية ملزمة، فقد طغى عليها المهندس والمحامي والمعلم.. وغاب عن قياداتها أساتذة التشريع الإسلامي، وأساتذة الفقه وتفسير القرآن.. وأساتذة الدعوة.. وهذا يعتبر شرخا خطيرا في جسم الحركة فقد اعتقدت في لحظة أن من جاء من رحم النقابات يستطيع حشد جماهير هائلة للحركة، نسيت أن الذي جاءوا من كليات الشريعة في الجامعة الأردنية واليرموك ومؤتة ومن حضن الأزهر الشريف.. هم الذين أقاموا حضورا للحركة في المجتمع، وهم الذين في لحظة قدموا اللين حين قدم الآخر القسوة..

بيان أمس حول عملية البحر الميت ومن ثم التراجع عنه يؤكد كلامي، يؤكد أن الحركة أعطت مفتاح الشورى والقرار فيها لمن جاء من حضن النقابات.. والأصل أن يعطى مفتاح الشورى والقرار لمن أمضى عمره في دراسة الدين وفهم الفتوى ودعوة المجتمع، وكيف يكون حفظ السلم الأهلي واجبا دينيا ملزما حين يحف الخطر بالدولة.

الحركة سلمت ذقنها للشعبوي، وتركت الفقيه.. هذا هو باختصار حال الإسلاميين في الأردن، وقد فسرت الأمر في مقال سابق حين وصفتها بأنها تمتلك قوة في التنظيم.. لكنها تفتقر إلى التفكير، ولا أعرف؟ بيان البحر الميت هل يقع في باب قوة التنظيم أم أن التراجع عنه يعتبر ضعفا واندفاعا في التفكير.

أنا لا أكتب في باب الهجوم عليهم، وقد صعقت في المرة السابقة حين انتقدتهم دون تجريح ودون إساءة، صعقت من حجم ما جاءني من ردود تخرج عن أبسط أساسيات الأخلاق.. لدرجة أن أحدهم وهو من قياداتها شكك في مواقفي من المقاومة.. وكأنه يعتبر نفسه جزءاً من حماس لا من دولة لها دستور ومظلة تشريعية ودستورية ونظام سياسي ولها قوانين خاصة.. نصب من نفسه وحدة قياس للفضيلة وجعلني وحدة قياس للباطل.

وها أنا انتقد وما في قلبي–والله–هو النصح وليس الإساءة أو التجريح، لأن انفلات الحركة عبر تشتت القيادات وغياب المرجعيات، لن يترك تأثيراً على الحركة بل على المجتمع والدولة، وعلينا أن ننتبه لهذه المرحلة.. وأن نطلب من هذه الحركة المهمة في الأردن أن تجري مراجعة شاملة لنفسها، بالتشارك مع كامل قوى المجتمع.. فمن يسمع الآخر حتماً سيصل لأقل حد من الأخطاء، ومن يتمترس حول نفسه حتما سيقع في مستنقع من الأخطاء التي تؤدي إلى ضياعه وضياع الآخرين معه..

وأنا ما زلت أمتلك صداقة قوية ومحترمة مع المهندس مراد العضايلة وزكي بني ارشيد وصالح العرموطي.. ومازالت الرسائل بيني وبين زكي بني ارشيد قائمة وقد يتفاجأ البعض من أنه اتفق مع مقالي السابق عن الإخوان، كان يحمل نفس وجهة النظر في مسألة الإسلام والدولة المدنية..

على كل حال احترامي وتقديري مقدما، وما كتبته يقع في باب النصح ليس إلا.

Related posts

انقلابات عالمية في الطاقة* سلامة الدرعاوي

أصكوك غفران أم حرمان؟!* بشار جرار

لن نسمح بإغتيال وصفي مرة ثانية* ماجد الشملان