“الفلامنكو: تراث الأندلس وصوت الروح الإسبانية”

عروبة الإخباري – نزهة عزيزي –

مازلت أنبهر بالفلامنكو كفن يلامس الروح ويغوص داخلها، في زيارتي لكاديكس في جنوب إسبانيا لم أشعر بتلك الوحشة التي تنتاب السائح العربي عندما يزور المدن الاوروبية ، ربما هذا ماجعلني أشعر بدفء المكان وحميميته هي تلك الراقصات للفلانكو في كل منعطف شارع ترافقها الحركات والإيقاعات المغرية التي تحول الجسد إلى سمفونية مثيرة بين طاقة الذكورة والانوثة التي هي سر توازن الكون .رغم عدم فهمي للاسبانية لكن إنسياب الغناء في الحواس يشبه أهازيج الأغنية الامازيغية في الجزائر ومراكش وحتى في الجنوب الجزائري. فقررت عند عودتي لفرنسا أن اتوغل قليلا في الموضوع لان حدسي يخبرني أن شيء من الفلامكنو فيه حزن وحنين لمجد غرناطة ولكل ماتركته الحضارة الإسلامية هناك.
الفلامنكو هو نوع موسيقي وراقص يعود تاريخه إلى عدة قرون في جنوب إسبانيا، وخاصة في منطقة الأندلس. يتميز بكونه مزيجاً من عدة ثقافات: عربية، يهودية، غجرية، وإسبانية قديمة. يُعتقد أن الفلامنكو ظهر في أواخر القرن الثامن عشر، وأصبح مع الوقت رمزاً للهوية الأندلسية والروح الإسبانية.
يُعتبر الغجر الذين استقروا في إسبانيا في القرون الوسطى من المساهمين الأساسيين في تشكيل هذا الفن، إذ جلبوا معهم موسيقى ورقصات تأثرت بثقافات متعددة. كما لا يمكن تجاهل التأثيرات العربية والإسلامية التي كانت سائدة في الأندلس خلال الحقبة الإسلامية. العناصر الصوتية الشرقية وآلات مثل العود والقانون تركت بصماتها على الفلامنكو، مما أضفى على هذا الفن نكهة خاصة تختلف عن غيرها من الفنون الموسيقية الأوروبية.
يتفرع الفلامنكو إلى عدة أنواع، من أبرزها:
كانتي خوندو (Cante Jondo): أو “الغناء العميق”، وهو أكثر أنواع الفلامنكو أصالةً وشجنًا. يعبر عن مشاعر الحزن والحنين.
كانتي شيكو (Cante Chico): يتميز بالخفة والإيقاع السريع، وغالباً ما يغنى في المناسبات الاحتفالية.
بوليراس (Bulerías): نمط سريع واحتفالي، ويتميز بالتصفيق والإيقاعات الحادة.
الغناء في الفلامنكو
يعتمد غناء الفلامنكو بشكل أساسي على العواطف، فهو تعبير عن الفرح والحزن والصراع الداخلي. المغني (أو المغنية) في الفلامنكو يستخدم صوته بطرق متعددة، حيث يعتمد على استخدام النبرات العالية والتلاعب بالإيقاع، ما يمنح الغناء الفلامنكو طابعاً درامياً يلامس مشاعر المستمع.
أمثلة من نصوص الفلامنكو
من أشهر الأغاني التي تعبر عن روح الفلامنكو:
“Que nadie va a llorar por mí”
هذه الأغنية تعبر عن مشاعر الوحدة والحزن، حيث يغني الفنان عن الألم الذي يعاني منه دون أن يكون هناك من يشعر به أو يواسيه.
Que nadie va a llorar por mí
Cuando me muera,
Aunque me duela el alma,
No hay lágrimas en mi entierro.
(لن يبكي عليّ أحد حين أموت، حتى لو تألمت روحي، لن تكون هناك دموع في جنازتي.)
“Llorando por Granada”
تتناول هذه الأغنية الحنين إلى غرناطة، المدينة الأندلسية التي كانت رمزاً للحضارة الإسلامية في إسبانيا.
Llorando por Granada,
Por sus calles morunas,
Donde el viento se mezcla,
Con el llanto y las lunas.
(أبكي على غرناطة، على شوارعها الموريسكية، حيث يتمازج الريح مع البكاء والأقمار.)

الفلامنكو ليس مجرد فن موسيقي، بل هو تعبير عن هوية إسبانية معقدة ومتعددة الأبعاد. يُستخدم الفلامنكو للتعبير عن الفرح والحزن على حد سواء، ويعكس قصصًا عن الحب، والمعاناة، والفراق، والتفاني. لهذا السبب، يعتبر الفلامنكو جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي الإسباني.
في عام 2010، أدرجت منظمة اليونسكو الفلامنكو في قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، اعترافاً بقيمته الفنية والتاريخية. هذا التقدير الدولي يعزز من أهمية الفلامنكو كأحد أهم رموز الثقافة الإسبانية.
الفلامنكو هو أكثر من مجرد موسيقى أو رقص؛ إنه لغة عالمية للتعبير عن المشاعر العميقة والمتناقضة التي يعيشها الإنسان. من خلال صوته، وإيقاعاته، وحركاته، يقدم الفلامنكو نافذة على روح إسبانيا وتاريخها الغني بالمزيج الثقافي

Related posts

حضور أكثر من 70 ألف زائر في ختام فعاليات منتدى الأفلام السعودي

«كتارا» تعلن الفائزين بجائزتها لعام 2024

النمس: الجزائريون نجحوا في صناعة أدب خاص بهم وخلق هوية خاصة به