أبو ابراهيم الأكبر برتبة شهيد

عروبة الإخباري  كتب سلطان الحطاب

كان أسمه كافياً ليرعب أعداءه، نذر نفسه لفلسطين وأشهر سلاحه، حتى وهو في السجن طويل المدى الذي حين توعد جلاديه وأخافهم، كان يرى مستقبل شعبه حر ومستقل عدوه مهزوماً، كان يحلم وكان يجسد حلمه، وكان يرى أن القائد يكون في المقدمة ويكون القدوة.

فقد قاتل الرسول في بدر، ووقف يقول بين يدي ربه حين كانت الكثرة تقاتل القلة الذين معه (ربي ان تهلك هذه العصبة (يقصد جماعته) … أبداً وقاتل يوم بدر وسقط أرضاً وكسرت اسنانه، كان يتقدم صحابته وكانوا يسألون عنه حين اختفى عن أنظارهم في بداية الصفوف.

ويأتي يحيى السنوار مشبعاً بالبطولة ومملوءا بالحق على قتلة الأطفال الذي أعلنوا حروبهم على غزة باسم ما يدون من دين وثقافة بائدة مسوسة، وفيها صدام جالوت مع طالوت وفيها صراع دليلة الغزية التي هزمت شمشون، .. بشعرها فقال عليّ وعلى اعدائي وهدم المعبد”.

غزة لم تغرق في البحر وفضلت ان تغرق بالدم مقاومة حين وجدت ربانا مثل يحيى السنوار، أمن أن الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها، وأن غزة ستعيش بنتاً للكرامة، لا استلاماً وخضوعاً حتى وإن جاعت.

خرج لهم السنوار الذي ادعوا انه داخل الإنفاق مسلحاً ليقاوم مع مجموعته، لم ينسى أنه مقاتل وأنه ابن الميدان وصادمهم حتى وهم يحاصرونه فأطلق النار مقبلاً لا مدبراً ورمى عليهم قنابل يدوية في اللحظات الاخيرة قبل استشهاده.

إن شعباً فيه مثل أبو إبراهيم، لا يهزم وهناك مثله كثيرون لم يأتوا بعد، ولكن غزة تصنعهم الآن من المعاناة والألم والقتال، ولن تنام دولة الاحتلال ولن يهدأ لهم بال ولا يوم واحد بعد رحيل السنوار، ومع قدوم الأطفال الذين شبوا وكبروا قبل أوانهم وينتظرون دورهم لتدمير عش النازية الجديد الذي لم يتصدى لها العالم وتركه يفعل ما يريد.

السنوار أعاد انتاج عز الدين القسام، ذلك الشيخ الذي خرج من حيفا على رأس المجاهدين من أصحابه ليقاتل وقد داهمه الإنجليز الذين كانوا يحتلون فلسطين لصالح الحركة الصهيونية وكانوا يقومون بنفس الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة الآن بحماية اسرائيل ودعمها والقتال معها.

قاتل عز الدين القسام الذي خرج من مدرسته بعد ثمانين سنة، يحيى السنوار، قاتل القسام ببندقيته في احراش يعبد ليستشهد هناك وما زال قبره قريباً من حيفا، وقد رفع شعار النصر أو الشهادة، فنال الشهادة، والسنوار اعاد انتاج نفسه شهيداً كما فعل عبد القادر الحسيني، الذي ذهب الى دمشق وحضر اجتماع الجامعة العربية بعد مؤتمر بلودان وتحدث أمام المندوبين العرب يستنصرهم ويطلب سلاحاً لان مقاتليه والمتطوعين المجاهدين معه يحاصرون القدس ويلحقون بالعدو الهزيمة والخسائر، فلم يلبي المسؤولين العرب نداءه، بل أنهم شمتوا مما يطلب فغضب وتوعد وخرج وترك رسالة هي وصية، وقال أنكم تخذلون شعبي وسوف اتوجه الى المعركة واقاتل، وفعلاً عاد الى القدس وتوجه الى القسطل على طريق القدس يافا، وخاض معركته الأخيرة واستشهد هناك، وما زالت كلماته التي تعكس خذلان العرب الذي تحكمت فيه القوى الاستعمارية ترن في الاذان حتى اليوم.

لقد خذلوا عبد القادر الحسيني، وخذلوا الرئيس عرفات الذي وضعته اسرائيل في الحصار في المقاطعة في مكتبه ومنعت عن أسباب الحياة واغتالته ولم يستطيع كل العرب بزعمائهم أن يمكنوه من أن يحضر معهم الى قمة بيروت عام الفين، التي اطلقت المبادرة العربية التي قال عنها شمعون بيريز أنها لا تعادل الحبر الذي كتبت به، وقال “بلوها واشربوا ميتها”.

لقد خذلوا الرئيس عرفات ليستشهد أسيراً في في مكتبه مسموماً بخطة من شارون الذي طلب من الرئيس الأمريكي أن يقنل عرفات فقال له انه كبير في السن، دع الله يتخلص منه، فقال شارون لكن الله يحتاج الى مساعدة.

اسرائيل ما زالت تقتل الأطفال في غزة وما زالت تجهز نفسها لقتل الأطفال العرب العزل من الحماية في عواصمهم العاجزة، وما زالت تتخذ من الاغتيال وسيلتها المفضلة في التخلص من خصومها فقد اغتالت عشرات القادة والمسؤولين ممن خالفوا مواقفها وانتقدوا سياساتها، لقد اغتالت الكونت برنادوت، مبعوث الامم المتحدة على أرض فلسطين، وقد كان في مهمة بعد قرار التقسيم لأن له ملاحظات عليه، واغتالت العديد من القادة الفلسطينيين في الثورة المعاصرة في فردان، اغتالت كمال عدوان وكمال ناصر وابو يوسف النجار على يد ايهود باراك واغتالت ماجد أبو شرار وباسل قبيسي وأبو خضير وعلى حسن سلامة (الأمير الأحمر) واغتالة أبو جهاد، كما اغتالت ضباطاً بريطانيين حين نسفت فندق الملك داود، ومسلسل اغتيالاتها ممتد لا ينتهي وهي لا تتورع ان تفعل كل المحرمات في سبيل خططها وخدمة لفكرها النازي المجرم، وهي واحدة من دولتين فوق القانون وهما اسرائيل والولايات المتحدة، وهي لا تستجيب لقرارات الشرعية الدولية ولا لمحكمة العدل الدولية.

اسرائيل احتلت عاصمة عربية عام 1982، وهي بيروت، التي دخلها شارون ولم يصل العرب ليدافعوا عنها حتى الآن واحتلت جنوب لبنان ولم تستجيب لقرار مجلس الأمن الدولي (425) الى ان قامت المقاومة وتشكل حزب الله لتطرده من الجنوب اللبناني الذي حررته المقاومة.

اسرائيل مرض خبيث ينتشر، لا بد من استئصاله، هكذا قال السنوار، وهكذا فعل، وقد كتب رواية وسيناريو ومسلسل جرى فيه وقائع عن ما جرى في السابع من اكتوبر، كان القائد صادقاً مع نفسه وملهما لغيره وقدوة ونموذجاً، لم يجمع أموالاً وقت المقاومة والنضال ليصرفها وقت الهدوء والاستراحة والتسليم، بل أنه جمع كل قرش ليسلح شعبه ويحفر الانفاق ويقم ترسانة لم تستطيع اسرائيل بعد سنة من العداوان والابادة ان تهزمه.

السنوار كان يؤمن ان الانسان قد يدمر لكن لا يهزم، فالهزيمة شيء أخر، وقد يهزم مع من لم يقاتلوا وقد ينتصر حتى من دمر غزة وكما النموذج الفيتنامي الذي جسده السنوار في غزة، لكن غزة للأسف لم يكن يقف معها أو خلفها عرب كما وقفت الصين والاتحاد السوفيتي خلف هانوي (فيتنام).

يمضي المجاهد أبو ابراهيم الأكبر لان في حركة القسام عام 1936 – 1939، كان هناك مجاهدين قادة هم أبو ابراهيم الكبير وابو ابراهيم الصغير، وها هو السنوار، اطلق عليه لقب ابو ابراهيم الأكبر، يمضي شهيداً.

لن تموت المقاومة بعدك، فقد غرست بذرة صلبة قوية في تراب فلسطين، وجددت العهد بالجهاد حتى التحرير وآمنت ان الشرعية للبندقية وليس للرطانة والوعود الكاذبة وذر الرماد في العيون والمناصب برتبة جاسوس، آمنت بشعبك ووثقت به وعرفت من التاريخ أن الشعب الفلسطيني كان دائماً أكبر من قيادته وأكثر تضحية وعطاء، فركبت الأهوال لتبلغ حجم تضحيات شعبك واثبتت أنك ابنه الوفي الجدير بأن تكون من قادته.

لن تهزم المقاومة التي كنت رمزها، لقد كنت وطنيا حتى النخاع عرف بوطنيتك من زاملوك في سجنك، لم تتلهى بالفكر الديني والطائفية رغم انك مسلم صادق ومؤمن بل مضيت تجمع شتات شعبك وتدعو لوحدته، وتتعامل مع اسراه ومقاتليه وفصائله بنفس الروح المقاتلة الوطنية.

لم يكن يحيى السنوار متعصباً لفصيل ولم يكن يرى أن الجنة حكراً على جماعته ولم يكن ليقول أننا اخوان مسلمون وغيرنا خارجون أو روافض أو مجوس، بل كان يتحالف مع من يؤمنون بروايته الوطنية ويدعمون قضية شعبه، وقد كان خطابه دائماً جامعاً موحداً لكل القوى المناضلة والمقاتلة والمجاهدة.

مضى السنوار شهيداً كما أحب وكما دعى وقال وما زال المقاومة من بعده وعلى خطاه وسيكون استشهاده رسالة للآخرين ليزرعوا فسائل المقاومة وينهضوا بسواعد على نفس الطريق.

ستكون المقاومة أقوى، وقد رأينا ذلك في حزب الله بعد استشهاد أمينه العام حسن نصر الله، وفي غزة بعد استشهاد السنوار جيل المقاومة سينبت والنيجيل الذي تحاول اسرائيل ان تجزه وتقصه في محاولىة واهمة لتصفية القضية المقاومة، سينمو بغزارة اكثر وسيغرس الأرض ويقوى، وسيبزع فجر الكرامة الفلسطينية الذي سطع على العالم ليخبر بالحرية والانعتاق من اليهودية والهيمنة الصهيونية، ابتداء من الجامعات الأمريكية وانتهاء بالعواصم العربية.

لن تخذلك الشهامة والكرامة والبطولة يا ابا ابراهيم، وستذكرك الأجيال قائدا مقاتلاً تتقدم الصفوف وتلهم حمل الوطنيين بأن الوطن أغلى من الحزب والطائفة وكل شيء.

عشت كريما ومتّ بطلاً، أنت ابن المخيم، ابن غزة في المخيم استشهدت وبقيت وفياً لكل القيم الوطنية والانسانية، ولمثلك تنحني القامات ويغضب الرجال الأحرار وتزغرد النساء، الرحمة والرضوان وعليين.

 

 

Related posts

د. السمهوري: العالم الحر مطالب بفرض وإلزام إسرائيل تنفيذ القرارات الدولية والوقف الفوزري لجرائم حرب الإبادة والتطهير العرقي

غزة.. الإسناد والدعم حيث يجب أن يكون* د. نسرين الصبيحي

أزمة الشرق الأوسط: أول اختبار كبير لستارمر