أي فظاعة يجب أن ترتكبها إسرائيل حتى يكسر قادتنا صمتهم؟

أوين جونز* – (الغارديان) 3/10/2024


للانتقام لما حدث في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، يتم التسامح مع الجرائم من جميع الأنواع التي ترتكبها إسرائيل. ولكن يجب على الساسة أن ينتبهوا: الجمهور البريطاني لا يوافق.

*   *   *
فكِّر في هذين الكونين المتوازيين. أحدهما هو غزة؛ مسرح بعض من أسوأ الفظائع التي ارتكبت في القرن الحادي والعشرين، حيث تشكل حملة الإبادة الجماعية الهائجة التي ترتكبها إسرائيل تذكيراً جديداً بقدرة جنسنا البشري على الانحطاط والفسوق. وفقاً ‏‏لبحث أجرته منظمة “أوكسفام”‏‏، قتل الجيش الإسرائيلي عدداً من النساء والأطفال الفلسطينيين في العام الماضي هو الأكبر على الإطلاق “مقارنة بفترة مماثلة من أي صراع آخر على مدى العقدين الماضيين”.‏

‏وما يجعل هذا الواقع أكثر إثارة للقلق هو أن هذه الأرقام متحفظة: 11.355 طفلاً و6.297 امرأة الذين تم تسجيلهم على أنهم قتلوا بسبب العنف هم فقط أولئك الذين تم التعرف عليهم رسمياً. وبهذه الطريقة، لم يتم تسجيل الكثير من القتلى، ليس أقلهم الآلاف من المدفونين تحت الأنقاض، أو المدرجين في عداد المفقودين، أو الذين أحرقتهم الصواريخ الإسرائيلية بشكل كامل من دون ترك أي أثر. كما أدى تدمير إسرائيل لمستشفيات غزة إلى تدمير نظام الإبلاغ عن الوفيات.

وعلى الرغم من كل المحاذير، لم يتم ذبح مثل هذا العدد الكبير من النساء والأطفال في حقول القتل في العراق وسورية في فترة لا تتجاوز 12 شهراً، على الرغم من أن عدد هؤلاء السكان أكبر بكثير من سكان غزة.‏‏ثم هناك الكشف الجديد عن محاولة إسرائيل المتعمدة تجويع سكان غزة حتى الموت. في الأسبوع الذي سبق كتابة هذه السطور، ‏‏ذكرت‏‏ وكالة التحقيق الأميركية “برو بوبليكا” أن “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” (USAid) -وهي وكالة حكومية- سلمت تقييماً مفصلاً إلى وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، خلصت فيه إلى أن إسرائيل تمنع عمداً تسليم المواد الغذائية والأدوية إلى غزة.

ووصفت الوكالة إسرائيل بأنها “قتلت عمال إغاثة، وهدمت المباني الزراعية، وقصفت سيارات الإسعاف والمستشفيات، وسيطرت على مستودعات الإمدادات، ورفضت بشكل روتيني إدخال الشاحنات المحملة بالغذاء والدواء”.‏‏وفي مثال فظيع بشكل خاص، تم تخزين الأغذية على بعد أقل من 30 ميلاً عبر الحدود في ميناء إسرائيلي، بما في ذلك ما يكفي من الدقيق لإطعام معظم سكان غزة لمدة خمسة أشهر.

ولكن تم حجبها عمداً. وخلصت وكالة اللاجئين التابعة لوزارة الخارجية الأميركية أيضاً إلى أن إسرائيل تتعمد منع وصول المساعدات، وأوصت الوكالة باستخدام التشريع الأميركي الذي ينص على تجميد شحنات الأسلحة إلى الدول التي تمنع وصول المساعدات المدعومة من الولايات المتحدة. لكن بلينكن رفض هذه التقييمات، ووافقت الحكومة الأميركية للتو على منح حزمة مساعدات عسكرية أخرى، ‏‏بقيمة 8.7 مليار دولار‏‏، لدولة خلصت وكالات أميركا الخاصة إلى أنها تتعمد تجويع سكان غزة.‏‏والآن انقل نفسك إلى العالم الموازي الآخر: عالم النخبة السياسية البريطانية. اقترح اثنان من مرشحي قيادة “حزب المحافظين” جعل الولاء لإسرائيل سمة مركزية للبريطانية. وأعلن المرشح الأوفر حظاً، روبرت جينريك، أنه يجب ‏‏عرض‏‏ نجمة داود عند كل نقطة دخول إلى بريطانيا لإظهار “أننا نقف مع إسرائيل”. ‏‏

وأعلنت‏‏ كيمي بادينوش أنها صُدمت “بعدد المهاجرين الجدد إلى المملكة المتحدة الذين يكرهون إسرائيل”، مضيفة: “هذا الشعور لا مكان له هنا”. وفي الوقت نفسه، وبعد الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني -الذي لم يتم الإبلاغ عن وقوع أي إصابات بين الإسرائيليين نتيجة له- أعلن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، بحماس: “نحن نقف مع إسرائيل”، في خطاب رسمي ألقاه في داونينغ ستريت. ها هو ذا رجل لم يستجمع أصغر جزء من تلك المشاعر لعشرات الآلاف من العرب الذين ذبحتهم إسرائيل، من فلسطين إلى لبنان.

ما الكلمة التي يمكن أن تصف هذا التفاوت في رد الفعل، سوى العنصرية؟‏
‏لحسن الحظ، هذه ليست الأكوان التي يسكنها الجمهور البريطاني. الآن، أصبحت لدى ثلثي الناخبين وجهة نظر سلبية وغير تفضيلية عن إسرائيل، ‏‏مقارنة بـ17 في المائة‏‏ اختاروا تفضيلها: وهو مستوى منخفض بشكل قياسي.

 

‏‏ويعتقد 7 من كل 10‏‏ أشخاص أنه من المحتمل أن تكون إسرائيل قد ارتكبت جرائم حرب (8 في المائة فقط يعارضون)، بينما يعتقد 54 في المائة ‏‏أنه‏‏ يجب إصدار مذكرة توقيف بحق بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية (مع معارضة 15 في المائة).‏

‏لكن هذا الإخلاص ‏‏لإسرائيل‏‏ بين حكامنا ظل حاضراً على الرغم من الفظائع التي لا توصف والرأي العام الذي أصبح أكثر نفوراً من أي وقت مضى. في عالم عقلاني، سيكون من شأن الدعوة إلى تحالف صادق مع دولة متورطة في مثل هذه الفوضى القاتلة إلى الدفع بصاحبها خارج الحياة العامة مجللاً بالعار. لكنها هنا هي الموقف السائد والمحترم، بينما تتم شيطنة المعارضين باعتبارهم متطرفين بغيضين.‏

‏ما الذي يفترض أن تفعله إسرائيل بالضبط لزعزعة هذا؟ لقد ارتكبت أسوأ مذبحة للأطفال في عصرنا، من ‏‏طلقات القناصة المبلغ عنها على رؤوس الأطفال الرضع‏‏ إلى ذبح ‏‏الأسر المذعورة في سياراتها، والآن أصبح من الواضح أنها تقوم عمداً بتجويع شعب بأكمله حتى الموت. وهي متهمة ‏‏باغتصاب المعتقلين من الذكور‏‏ ‏‏والإناث على حد سواء‏‏، في حين تدين “منظمة إنقاذ الطفولة” ‏‏الجنود الإسرائيليين‏‏ ‏‏لاعتدائهم جنسياً على الأطفال الفلسطينيين‏‏ في السجون.

 

وقد أودى هجومها الوحشي بحياة ما لا يقل عن ‏‏885 من العاملين في مجال الرعاية الصحية‏‏، وترك النساء يخضعن لولادات قيصرية والأطفال تُبتر أطرافهم من دون تخدير. ويدفع جنود إسرائيل‏ جثث الفلسطينيين من على الأسطح‏‏ في مشاهد تذكر بتنظيم “داعش”. وفي الوقت نفسه، ‏‏يتنافس‏‏ الوزراء والسياسيون وضباط الجيش والجنود والصحفيون الإسرائيليون على التحدث علناً بخطاب القتل والإبادة الجماعية.‏

‏لو كانت دولة معادية للغرب مذنبة بارتكاب فظائع بهذه الفحش، لكان هناك إجماع واسع النطاق على أن ما فعلته كان واحدة من أكبر الجرائم في عصرنا. ولكن، على حد تعبير المحامية الفلسطينية ديانا بطو: “يخبرنا العالم أنه لا شيء يمكن أن يبرر 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ومع ذلك فإن كل شيء فعلته إسرائيل يمكن تبريره بـ7 تشرين الأول (أكتوبر)”. من السهل التركيز على أكثر المصفقين المسعورين لأفعال إسرائيل، ولكن هناك أيضاً الكثيرون، من المعلقين إلى الشخصيات العامة، الذين ظلوا صامتين أو أبدوا قلقاً سريعاً عابراً، على الرغم من تواطؤ بلادهم في حمام الدم الذي لا نهاية له، ليس أقله مع استمرار مبيعات الأسلحة. كانت أهوال ماضينا ممكنة دائماً بسبب الصمت.‏

إنني أتساءل حقاً، ما الذي يتطلبه الأمر؟ ما الفظائع التي يمكن أن ترتكبها إسرائيل قبل أن تصبح مناصَرة تحالفنا معها مسألة عار علني؟ هل توجد حتى عتبة؟ وأي حصاد رهيب سيحصده الغرب لإخباره العالم بلا ندم ولا اعتذار بأنه لا يُسند أي قيمة تذكر لكل هذه الأرواح العربية الكثيرة التي اختفت من الوجود؟‏

*أوين جونز Owen Jones: كاتب عمود بريطاني ومعلق وصحفي ومؤلف وناشط سياسي، معروف بعمله ككاتب عمود في صحيفة “الغارديان”. يكتب لمنشورات “ذا ‏‏نيو ستيتسمان”‏‏ ‏‏و”تريبيون”‏‏ ‏‏و”ذا ناشيونال”‏‏،‏ وكان سابقا كاتب عمود في صحيفة “‏‏الإندبندنت”‏‏. له سلسلتان أسبوعيتان على الويب: “‏‏عرض أوين جونز‏”‏ ‏‏و”بودكاست أوين جونز”. معروف أيضًا بنشاطه السياسي. من أبرز كتبه “الأوباش: شيطنة الطبقة العاملة” Chavs: The Demonisation of the Working Class؛ و”المؤسسة -وكيف يفلتون بلا عقاب” The Establishment – And How They Get Away With It”.‏

 

*نشر هذا المقال تحت عنوان: What atrocity would Israel have to commit for our leaders to break their silence

 

Related posts

«لو كان… رجلاً لقتلته»* د. آمال موسى

ملاحظات على هامش الحرب الدائرة في الشرق الأوسط* د. سنية الحسيني

فكر فيها!* نقولا أبو فيصل