حرب غربية في غزة ولبنان* ألان غريش؛ وسارة قريرة

إلى أي مدى ستذهب تل أبيب في مغامرتها الحالية؟ لا تكتفي إسرائيل بتحويل غزة إلى ساحة من الخراب، فضلاً عن ارتكاب إبادة جماعية للسكان هناك. إنها تعمل على توسيع عملياتها إلى لبنان، بالأساليب نفسها، والمجازر نفسها، والدمار نفسه، مطمئنة إلى الدعم الثابت الذي تتمتع به من مانحيها ورعاتها الغربيين، المتواطئين مباشرة في جرائمها.

*   *   *
حتى كتابة هذه السطور، تجاوزت حصيلة الغارات والتفجيرات الإسرائيلية في لبنان 1640 قتيلاً، وتتالت “الإنجازات” الإسرائيلية، مثل تفجير أجهزة النداء “البيجر” الذي أثار انبهار عدد من المعلقين الغربيين من “التطور التكنولوجي” الذي أثبتته تل أبيب، حتى وإن تسبّب ذلك في قتل وتشويه وإعماء وبتر أطراف وجرح آلاف الضحايا، التي لا تعدو أن تكون في نظرهم مجرّد خسائر عرضية. وسوف يكررون المرة تلو المرة أن هذه العمليات لا تستهدف سوى “حزب الله” وحده؛ المنظمة التي لا تعتبرها فرنسا منظمة إرهابية، وسيقولون إن إسرائيل مرغت أنفه في التراب، وكأن القنابل التي تمطر على رؤوس اللبنانيين لا تطال الجميع، لتختلط من دون تمييز دماء المقاتلين والمدنيين على حد سواء. أو كأن استخدام الأجسام المفخخة لا يعد انتهاكًا لقوانين الحرب، كما أشار العديد من المتخصصين والمنظمات الإنسانية.
لم تعد حتى الاغتيالات والقتل خارج نطاق القانون لقادة “حزب الله”، بما فيها اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، والتي كانت مصحوبة في كل مرة بالعديد من “الضحايا الجانبيين”، تثير الاستنكار. وكان آخر مظهر لازدراء نتنياهو للأمم المتحدة هو أنه قام، من مقر المنظمة، بإعطاء الضوء الأخضر لقصف العاصمة اللبنانية واغتيال نصر الله.
في غزة كما في باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، يقوم أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بوأد آراء “محكمة العدل الدولية” أكثر يوماً بعد آخر. وتؤجل “المحكمة الجنائية الدولية” إصدار مذكرة اعتقال ضد بنيامين نتنياهو، على الرغم من أن المدعي العام للمحكمة أفاد بوجود ضغوط تُمارس “من قبل قادة دوليين” وأطراف أخرى، سواء كان ذلك ضده شخصيا أو ضد عائلته (1). فهل سمعنا جو بايدن أو إيمانويل ماكرون أو أولاف شولتز يحتجون على هذه الممارسات؟
منذ عام تقريباً وبعض الأصوات -التي تكاد تبدو وكأنها أصوات شرذمة من المجانين- تندّد بإفلات إسرائيل من العقاب، بتشجيع من الغرب الذي لم يفعل شيئًا لثنيها عن أعمالها. وما كانت مثل هذه الحرب لتكون على الإطلاق، لولا الجسر الجوي للأسلحة الأميركية في الأساس، والأوروبية بدرجة أقل، ومن دون الغطاء الدبلوماسي والسياسي الذي توفره الدول الغربية. على سبيل المثال، يمكن لفرنسا، إن أرادت، أن تتخذ إجراءات يمكن أن تكون موجعة لإسرائيل، لكنها ما تزال ترفض تعليق تراخيص تصدير الأسلحة التي منحتها إياها. ويمكن لباريس أيضاً أن تدافع في الاتحاد الأوروبي، مع دول مثل إسبانيا، عن تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل. لكنها لا تفعل ذلك.
إن هذه النكبة الفلسطينية المتواصلة، وهذا التدمير الممنهج والمتسارع للبنان، ليست جرائم إسرائيلية فحسب، بل هي جرائم غربية أيضا، تتحمل واشنطن وباريس وبرلين مسؤوليتها المباشرة. وبعيدًا عن الإيماءات والعروض المسرحية التي شهدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه الأيام، دعونا لا ننخدع بـ”غضب” جو بايدن، ولا بأمنيات إيمانويل ماكرون بـ”حماية المدنيين”، وهو الذي لم يتهاون أبداً في إظهار دعمه الثابت لحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة. ولندع جانباً كذلك هؤلاء الدبلوماسيين الذين غادروا بكامل هيبتهم قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما صعد رئيس الوزراء الإسرائيلي لإلقاء خطابه، في لفتة كانت أقرب إلى عملية تنفيس رمزية من كونها موقفا سياسيا فعليا. فإذا كانت الدول الغربية مسؤولة بالدرجة الأولى عن الجرائم الإسرائيلية، فإن دولاً أخرى، مثل روسيا أو الصين وغيرها، لم تتخذ أي إجراء لوضع حد لهذه الحرب التي يتسع نطاقها كل يوم. وهي تمتد إلى اليمن اليوم، وربما إلى إيران غداً.
إن هذه الحرب تريد أن تدفع بنا إلى عصر مظلم، حيث يتم وبشكل منهجي تقويض القوانين الرادعة، والضمانات، وكل ما من شأنه أن يمنع هذه الإنسانية من الغرق في بحر من التوحش. إننا نعيش حقبة قرر فيها أحد الطرفين إعدام الطرف الآخر لأنه يعتبره “همجيا”. “أعداؤنا المتوحشون”، على حد تعبير نتنياهو، أولئك الذين يهددون ما يسمى بهتاناً بـ”الحضارة اليهودية المسيحية”. ويسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى جر الغرب إلى حرب حضارية ذات دلالات دينية، ترى فيها إسرائيل نفسها قاعدة أمامية للغرب في مستنقع الشرق الأوسط. وهي تسجّل في هذه السياق بعض النجاحات.
من خلال الأسلحة والذخائر التي تواصل تزويد إسرائيل بها، ومن خلال دعمها الذي لا يتزعزع لـ”حق الدفاع عن النفس” الزائف، ومن خلال رفض حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وفي مقاومة احتلال وصفه قرار محكمة العدل الدولية بأنه غير قانوني، وأمر بإيقافه -ويرفض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تطبيق هذا القرار- تتحمل هذه الدول الغربية مسؤولية عن الغطرسة الإسرائيلية.
إنها دول أعضاء في مؤسسات مرموقة، مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو مجموعة الدول السبع، لكن حكوماتها تؤيد قانون الغاب الذي تفرضه إسرائيل، ومنطق العقاب الجماعي. وقد تم تفعيل هذا المنطق، قبل اليوم، في أفغانستان في العام 2001، وفي العراق في العام 2003، وقد رأينا نتائجه.
في العام 1982، قامت إسرائيل بغزو لبنان، واحتلال الجنوب، وحاصرت بيروت، وأشرفت على مذابح مخيمات صبرا وشاتيلا الفلسطينية. هذا “الانتصار” المروع هو الذي أدى إلى بروز “حزب الله”، تماماً كما أسفرت سياسة الاحتلال الإسرائيلية عن عملية السابع من تشرين الأول (أكتوبر). لأن منطق الحرب والاستعمار لا يمكن أن يؤدي أبداً إلى الأمن والسلام.

*ألان غريش: مدير مجلة “أوريان 21″، متخصص في شؤون الشرق الأوسط، له مؤلفات عديدة منها “علام يدل اسم فلسطين” (2010)، من منشورات les liens qui libèrent، و”أغنية حب، فلسطين وإسرائيل، قصة من تاريخ فرنسا”، بالاشتراك مع هيلين آلدغير (2017)، منشورات La Découverte.
*سارة قريرة: صحفية، رئيسة تحرير موقع “أوريان 21”.
*ترجمت المقال من الفرنسية سارة قريرة.
هامش:
(1) اقرأ أو استمع إلى حواره على قناة “بي بي سي” تحت عنوان ICC chief prosecutor defends Netanyahu arrest warrant in BBC interview والذي نُشر في 5 أيلول (سبتمبر) 2024.

Related posts

السمهوري: هل تخدم مناكفات تصريحات بين ماكرون ونتنياهو حول شرعية تأسيس إسرائيل ودور الأمم المتحدة لحل القضية الفلسطينية؟

ليست حرب ثنائيات* ماهر أبو طير

صفقة «قرن» تاريخية بين القوميات الثلاثة* حسين الرواشدة