كرامة البشر وجواز السفر* بشار جرار

كلما حان موعد تجديد جواز سفري حرصت على إتمام الإجراءات بنفسي لا تفويضها إلى سفارة مملكتنا الحبيبة في واشنطن. من بين كل الفروع المتاحة على امتداد عمّان لدائرة الأحوال المدنية، ما زلت حريصا على التوجه سيرا على الأقدام من الدوار الأول صعودا حتى المقر الرئيسي العتيق الذي أحسن القائمون عليه في الاحتفاظ بملامح عراقته، رغم التحديث المتواصل لكل إجراءات استصدار أو تجديد جواز السفر.

وكلما حلت مصيبة في بلد أو قطر جراء حرب أو كوارث طبيعية، وبدأت سفارات العالم بدعوة رعاياها إلى الرحيل، لا يمكن إلا أن نحمد الله حمدا كثيرا على نعمة ما نحن فيه من كرامة وأمن وأمان. ليس الوطن برقم متسلسل أو رموز، ولا هو بوثيقة أو جواز سفر. بل انتماء وولاء، من قبله ومن بعده تعاهد لا مجرد تعاقد.

البعض -في مرحلة انقضت- أراد استحضار نظرية «العقد الاجتماعي» للفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، لكن الأمر في عين من فهم الفارق بين اصطلاحي البلاد والأوطان، يعلم أنه يتجاوز مجرد التعاقد إلى التعاهد. رحم الله الأخ حبيب الزيودي «هاذي بلدنا ما نخون عهودها». فالعهد أبقى وأوفى في معانيه وقيمه من العقد. والعهد كما الميثاق، ما كان ولا يجوز أن يكون إلا أردنيا وطنيا، مستذكرين الميثاق الوطني الأردني الذي أسس لاستئناف الحياة البرلمانية في الأردن في العقد الأخير من القرن الماضي والذي تمت المصادقة عليه في مؤتمر وطني في التاسع من حزيران 1984.

منذ ثلاثة عقود ونيف لمع نجم الأردن في عالم صنع وبناء وحفظ السلام. في عمليات الإغاثة والإخلاء والإجلاء، صار منذ سنوات شريكا موثوقا من أكبر دول العالم في الإمكانات العسكرية واللوجستية، منها أمريكا ودول الناتو.

كل هذا موضع اعتزاز وفخر، لكن يعرف الأردنيون كلما تحدث الناس عنهم بخير في بلاد الاغتراب أن الفخر الأصلي والأهم هو الاعتزاز بجواز سفر حفظ كرامة البشر. أن تكون في بلاد لا تضطرك فيها الحروب أو القمع أو الاضطهاد أو التهميش أو الإقصاء بأشكالها الخشنة والناعمة للهروب بصغارك أو كبارك المسنين العجزة إلى متاهات ومهالك تجار البشر من المهربين، تجار الحروب والأزمات بكل جرائمهم التي لا تقف عند حدود الاتجار بأعضاء البشر بل والرق الجنسي والغرق في البحار أبيضها وأسودها.

ثمة حاجة لمتحدثين، غير رسميين، متحدثين من الناس إلى الناس بأن الدنيا والعالم من حولنا ما زال يذكّرنا بأجر القابضين على الجمر. بلادي لم تجر عليّ وإن جارت لا قدّر الله تبقى جنة جنان الدنيا. إن وقع ظلم فذلك في رقبة الظالمين وفي كثير من القصص التي أعرفها عن قرب ما هو سوى حفنة «إداريين» أخطأوا أم أصابوا يبقوا إداريين.

هذه بلاد لا يضام فيها حر ما دام في العرين هاشمي. هذه المملكة مازالت قيادة ومؤسسات وشعبا الحصن والملاذ والمنارة والمرساة والراية. انظر حولك، أرسل النظر ومده من دارك حيثما كنت على ثرى الأردن الطهور، ترى واحة كرامة وأمن وأمان وارفة الظلال، من حولها حروب وفتن وأزمات نجانا الله من أتونها بحكمة وبعد نظر سيدنا عبدالله الثاني نصره الله ورعاه.

Related posts

كلام عن الإضرابات* ماهر أبو طير

شراكة أردنية إماراتية* سلامة الدرعاوي

السهموري: بعد عام من استمرار الإبادة… مطلوب إتخاذ إجراءات فورية عقابية رادعة بحق إسرائيل؟