أ.د. سلطان المعاني
تسرد رواية «النبطي المنشود» حكايةً تجمع بين التاريخ والخيال حول شخصية معمّر، الشّاب الذي يعيش تجربة غنية في مدينة البترا الأثرية. يبدأ السرد عندما كان معمّر طفلاً في الخامسة من عمره، إذ تجذبه المدينة وأجواؤها منذ الصغر، حيث يحمي جرّة صغيرة في البترا من التدمير بفعل عربة مسرعة، مما يثير حبه العميق لهذه المدينة. يواصل معمّر التعلق بالمدينة ومعالمها طوال حياته، ويخوض رحلة روحية وعلمية لاكتشاف أسرار الحضارة النبطية. مع نموّه وتقدمه في العمر، يتقرب معمّر من أسرار المدينة ويعيش تجربة ملأى بالدهشة عندما يلتقي بأميرة نبطية في كهف، حيث تُظهر له تاريخ الأنباط العريق وإنجازاتهم العلمية المذهلة في مجالات الفلك والرياضيات والهندسة. تأخذ الرواية القارئ في جولة عبر عظمة الحضارة النبطية، وتسرد مغامرات معمّر لاكتشاف وتوثيق تلك العلوم. تتطور الأحداث عندما يتم تكليف معمّر بمهمة إنقاذ ماضي الحضارة النبطية وإثبات مجدها الضائع أمام العالم الحديث، فيعيش معمّر تجربة مليئة بالتحديات ويشعر بمسؤولية كبيرة تجاه الحضارة التي أحبها منذ الصغر. يستمر معمّر في سعيه لإعادة مجد الحضارة النبطية من خلال أبحاثه، ويشعر بالفخر تجاه تراث أجداده والإنجازات العلمية التي حققوها والتي يسعى لتوثيقها وإعادة اكتشافها.
ونجد أن الروائية، عند تحليل اللغة والأسلوب في رواية «النبطي المنشود»، قد عمدت إلى استخدام لغة تجمع بين الجمال الأدبي والوضوح، وهو ما يتناسب مع الجمهور المستهدف، وهم الفتيان والشباب. تستخدم الرواية أسلوبًا بسيطًا في بعض الأحيان، خاصة في الوصف والسرد الخارجي للأحداث والشخصيات، لكنها في نفس الوقت لا تخلو من تعابير أدبية غنية تُظهر عمق الحضارة النبطية وعلاقة الشخصيات بالمكان والزمان.
تحمل اللغة المستخدمة طابعًا سرديًا واضحًا ومباشرًا، مما يسهّل على الفتيان والشباب متابعة الأحداث دون تعقيد. وقد حرصت الكاتبة على تقديم المعلومات التاريخية بشكل مشوّق، بحيث لا يشعر القارئ بثقل الحقائق التاريخية، بل يتفاعل معها من خلال حوار الشخصيات والمواقف التي تعيشها. بالإضافة إلى ذلك، تم دمج الحوارات بلغة حديثة تتناسب مع عمر الشخصيات وتصوراتها، مما يخلق اتصالًا فوريًا بين القارئ والشخصيات، ويعزز من القدرة على التعاطف معهم.
ومن ناحية الأسلوب، تحافظ الكاتبة على توازن بين الجانب الخيالي والواقعي. استخدام الرموز مثل الأميرة النبطية والمعالم الأثرية يعزز من الجانب الأسطوري للرواية، وهو عنصر هام لجذب الفتيان والشباب، في حين أن الإشارات إلى الأحداث التاريخية والإنجازات العلمية النبطية مثل الفلك والرياضيات، تضفي طابعًا تعليميًا غير مباشر. هذا المزيج بين الخيال والحقيقة يعزز من قدرة الرواية على ربط القارئ الشاب بالتاريخ عبر لغة بسيطة، ولكن مشوّقة.
يحمل الأسلوب الأدبي للرواية لمسات نفسية تُظهر قوة العاطفة التي تسيطر على شخصية معمّر وعلاقته بالمدينة. ويجعل وصف المشاهد التي تدمج بين الأثر النفسي والشعور بالمكان القارئ وكأنه يرافق معمّر في رحلته. وهنا نجد أن اللغة تتجاوز كونها وسيلة لنقل الحدث، لتصبح وسيلة لتشكيل تجربة شعورية، تنقل الإحساس بالحنين، والارتباط، والمسؤولية تجاه الماضي.
تظهر الجماليات الأدبية في الرواية بوضوح من خلال الوصف العاطفي للمكان، والأحلام التي يعيشها معمّر في الكهوف وبين الأنقاض. هذا النوع من الوصف أضفى عمقاً جمالياً وفلسفياً على النص. فالخيال هنا يلعب دورًا كبيرًا في تشكيل وعي القارئ الشاب تجاه الماضي والحضارة، ويحفزه على التفكير في العلاقات بين الإنسان والمكان والزمان. فالرواية تتطلب من القارئ متابعة الأحداث واستيعاب الرموز والإشارات الكامنة في السرد.
قد تبدو الرواية أحيانًا شائكة على الفئة الشابة بسبب اعتمادها على تصوير عاطفي وفلسفي عميق، إلا أن هذا الإشكال مبرر في سياق تعزيز تفكير القارئ الشاب وتوجيهه نحو أسئلة أكبر حول الهوية والانتماء والمستقبل. كما أن تداخل الأبعاد الروحية والعلمية في النص يتطلب من القارئ مستوى معينًا من الانتباه والقدرة على التعامل مع هذه الثنائيات، مما يجعلها رواية تجمع بين التعلم والإلهام.
تدور أحداث الرواية في مدينة البترا، عاصمة الأنباط، وهي واحدة من أبرز الحضارات القديمة في المنطقة العربية. الحضارة النبطية معروفة بإنجازاتها في مجال الفلك والهندسة المعمارية وإدارة المياه والكتابات القانونية، وهو ما أشارت إليه الرواية بوضوح. وتصف الرواية بعض الإنجازات مثل سدود المياه، والقنوات، وأنظمة الري المتقدمة، وهي حقائق تاريخية تعكس براعة الأنباط في استخدام الموارد الطبيعية لتحقيق التنمية والاستقرار في بيئتهم الصحراوية.
تعكس الرواية بشكل دقيق اهتمام الأنباط بالفلك، وقد ذكرت الرواية بوصلة نبطية ومجموعة من الأدوات العلمية المستخدمة من قبل الأنباط في الفلك، وهي إشارة إلى التفوق العلمي لهذه الحضارة. يتماشى هذا التفصيل مع التاريخ المعروف عن اهتمام الأنباط بمراقبة النجوم واستخدام المعرفة الفلكية في حياتهم اليومية، مثل تحديد الأوقات والتقويمات الموسمية. وهنا يظهر توافق الرواية مع الوقائع التاريخية في سياق الإنجازات العلمية.
لقد تأثرت الحضارة النبطية بالحضارات المجاورة مثل الحضارات اليونانية والرومانية، وقد دمجت الكاتبة هذه الحقيقة في الرواية، حيث أشارت إلى الفنون والهندسة المعمارية التي تأثرت بتلك الحضارات، مع الاحتفاظ بتميز الهوية النبطية. الرواية تظهر التناغم بين التأثر بالحضارات الأخرى وبين الحفاظ على الأصالة الثقافية للأنباط، وهو ما يعكس بشكل دقيق الواقع التاريخي لتلك الفترة.
اعتمدت الرواية على الخيال في بعض جوانبها، وخاصة في تفاعل البطل معمّر مع الأميرة النبطية التي تظهر له في الكهف. الأميرة تمثل عنصرًا رمزيًا للحضارة النبطية وأمجادها الضائعة، لكنها بالطبع ليست شخصية تاريخية حقيقية. هذه الشخصية الخيالية تلعب دورًا محوريًا في نقل البطل إلى حقبة من العظمة التاريخية المفقودة، مما يمنح الرواية طابعًا أسطوريًا، يعزز عنصر التشويق ويربط القارئ روحانيًا وتاريخيًا بالمكان.
استخدام الكاتبة لأساطير ورموز مثل الأميرة النبطية، والسفر عبر الزمن لاستعادة أمجاد الحضارة النبطية، يعد جزءًا من الخيال الأدبي الذي يهدف إلى إضفاء بعد رمزي وروحي على الأحداث. غير أن هذه الأساطير ليست موثقة تاريخيًا، لكنها تتناسب مع الطابع الخيالي للرواية وتخدم الغرض الأدبي في تعزيز ارتباط البطل بالحضارة النبطية. على الرغم من أن الرواية تستند إلى خلفية تاريخية قوية، إلا أن بعض الأحداث والتفاصيل تتجاوز الحقائق التاريخية لتخدم الحبكة الروائية. مثلا، مغامرات معمّر في البحث عن الأدلة العلمية ولقاؤه بالشخصيات الخيالية، مثل الأميرة، هي جوانب تدخل في إطار الخيال الأدبي، لكن الكاتب يستخدم هذه الأدوات لجذب انتباه القارئ الشاب وتشجيعه على التفاعل مع المادة التاريخية.
بشكل عام، «النبطي المنشود» تقدم رواية تاريخية تجمع بين الحقيقة والخيال، وتستند إلى وقائع تاريخية متينة مثل إنجازات الأنباط العلمية والمعمارية. كما تقدم صورة دقيقة عن الحضارة النبطية من حيث إنجازاتها وتأثرها بالحضارات المجاورة، لكنها تمزج ذلك بعناصر خيالية مثل الحوارات مع شخصيات رمزية والسفر عبر الزمن. هذا الخلط بين الحقيقة والخيال يعمل على تعزيز التجربة الروائية ويجعلها أكثر جاذبية للقارئ الشاب، مع الحفاظ على احترام الوقائع التاريخية الرئيسية.
تحليل الشخصيات في رواية «النبطي المنشود» يكشف عن تفاعل ديناميكي بين الشخصيات الرئيسية وتطورها على مدار الرواية، مما يساهم في إيصال رسائل تربوية وتعليمية للقارئ الشاب. تركز الروائية على شخصيات ذات عمق داخلي وتطور ملحوظ، مما يجعل الرواية ذات بعد تربوي واضح.
معمّر هو الشخصية الرئيسية في الرواية، ويبدأ رحلته كشخصية شابة مشدودة بقوة خفية نحو الحضارة النبطية. يبدأ القارئ بمرافقة معمّر وهو طفل صغير، حيث يتضح من البداية أنه يملك حسًا خاصًا تجاه المدينة. هذه العلاقة العاطفية والروحانية تتعمق مع مرور الوقت، ويكتشف القارئ كيف أن هذا الطفل الصغير الذي أحب مدينة البترا يتطور ليصبح عالمًا وفلكيًا شغوفًا بالبحث عن مجد الحضارة النبطية. تطور معمّر يعكس نموذج الشاب الذي يمر برحلة بحث عن الهوية والمعرفة، حيث يتغلب على المخاطر ويقبل المسؤولية، ويصبح رمزًا للإصرار على تحقيق الأهداف. يمثل معمّر النموذج المثالي للشاب الباحث عن الحقيقة والمعرفة. إنه شخصية تربوية يمكن أن يُحتذى بها من قبل الشباب، حيث يظهر الإصرار على تجاوز العقبات من خلال العلم والمعرفة. تطوره من الطفل الفضولي إلى الباحث المتفاني يعكس عملية نضوج فكرية وعاطفية تشجع الشباب على الإصرار والتعلم، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية والانتماء للحضارة.
أما الأميرة النبطية فتمثل شخصية رمزية تظهر لمعمر في لحظات مفصلية من حياته، لتوجهه وتدعمه في رحلته لاكتشاف مجد الحضارة النبطية. على الرغم من كونها شخصية خيالية، إلا أنها تلعب دورًا أساسيا في تشكيل وعي معمّر، فهي الدليل والمرشد، وهي تمثل ذاكرة الحضارة وروحها التي تأمل في أن يُعاد إحياؤها من خلال علم معمّر. ظهورها في الرواية يرمز إلى أن المعرفة والثقافة مادة حيّة يمكن استعادتها وتفعيلها إذا تم الحفاظ على رابط قوي معها. وتعلم الأميرة النبطية القارئ الشاب أن الحضارة والثقافة تراكمات مادية، ومسؤولية تتطلب الحفاظ والبحث لإعادتها إلى الحياة. فهي تعزز مفهوم الالتزام التاريخي والمسؤولية تجاه التراث. ومن خلال حواراتها مع معمّر، تسلط الضوء على أهمية القيم الروحية والعلمية في تنمية الإنسان.
شخصيتا الدعم الثانوية في الرواية تتمثلان في الدكتور هادي والدكتورة سونيا؛ يمثل الدكتور هادي شخصية علمية تُقدم الدعم النفسي والأكاديمي لمعمر. هو رمز للمثقف الملتزم الذي يساعد الأجيال الجديدة على تحقيق إمكانياتهم من خلال تقديم الفرص لهم. فدوره في حياة معمّر يبين أهمية المرشدين والداعمين في حياة الشاب، ويوفر مثالًا للتفاعل الإيجابي بين الأجيال.
أما الدكتورة سونيا عالمة الآثار المصرية فتلتقي بمعمّر وتشاركه في اكتشافاته العلمية. وتمثل شخصية سونيا المرأة المثقفة والمجتهدة، التي تعمل جنبًا إلى جنب مع البطل لتحقيق هدف مشترك، وتعزز هذه الشخصية دور المرأة في المساهمة العلمية والتعاون في تحقيق الإنجازات الحضارية. ومن الناحية التربوية، تقدم سونيا نموذجًا للفتاة الشابة المثابرة والطموحة التي تسعى لتحقيق طموحاتها العلمية دون التقيد بالصورة النمطية.
تشترك جميع الشخصيات الرئيسية في هدف رئيسي وهو البحث عن المعرفة، سواء كان ذلك عن طريق العلم أو الحفاظ على التراث. والرسالة التربوية الأساسية التي تقدمها الرواية هي أن التعلم لا يتوقف، وأن الشباب يجب أن يبذلوا الجهد في البحث عن الحقيقة والتفوق العلمي. وتظهر الرواية أهمية التعاون بين الشخصيات لتحقيق الأهداف المشتركة. ويبدو هذا واضحاً من خلال شراكة معمّر مع شخصيات مثل الدكتور هادي وسونيا، حيث يُظهر العمل الجماعي وكيف أن التقدم يتحقق عندما تتضافر الجهود الفردية.
إن شخصيات «النبطي المنشود» تقدم نماذج تعليمية تربوية متكاملة للشباب. فمعمّر يمثل النموذج المثالي للشاب الطموح الباحث عن العلم والهوية، في حين تلعب الشخصيات الداعمة مثل الأميرة النبطية وسونيا دورًا في توجيهه ودعمه. الرواية لا تكتفي بتقديم شخصيات متطورة فحسب، بل تسهم في تقديم رسائل تربوية حول الالتزام بالتعلم، التعاون، والاعتزاز بالتراث، مما يجعلها رواية ملهمة للشباب.
عند تقييم موازنة رواية «النبطي المنشود» بين الخيال والتاريخ، نجد أن الروائية صفاء الحطاب قد استخدمت مزيجًا ذكيًا ومدروسًا من الجانبين لتحقيق هدفها في جذب الفتيان والشباب، وفي الوقت نفسه، تقديم مادة أدبية تمزج بين الواقع التاريخي والخيال الأدبي.
ورغم أن شخصيات الرواية قد تكون خيالية، إلا أن الكاتب يستند إلى إطار تاريخي واقعي. الشخصية الرئيسية، معمّر، هو رمز للباحث الشغوف بالحضارة النبطية والذي يسعى لإحيائها من خلال الكشف عن ماضيها العلمي والثقافي. على الرغم من أن شخصية معمّر كانت تتحرك في عالم مواز، إلا أن سعيه لتحقيق هذا الهدف مبني على رغبة حقيقية في فهم تاريخ الأنباط بشكل أفضل، وقد تتقاطع تلك الرغبة مع تجارب بحثية لشخصيات حقيقية.
الأميرة النبطية ليست شخصية تاريخية حقيقية، لكنها تمثل رابطًا روحيًا ومعنويًا مع الحضارة النبطية. وتمثل الأميرة رمزًا للحضارة الضائعة وأمجاد الماضي التي يجب أن تُكتشف. هذه الشخصية الخيالية تمنح الرواية طابعًا أسطوريًا وتجذب القارئ الشاب نحو التفاعل مع التاريخ بشكل أكثر حيوية، حيث لا يكون مجرد ماضي بعيد، بل جزء من رحلة خيالية يمكن للقارئ أن يعيشها مع البطل.
ومن خلال استخدام الخيال، يتمكن الكاتب من إدخال عناصر السفر عبر الزمن، حيث يستطيع معمّر «رؤية» الحضارة النبطية في أوج عظمتها. هذه الإضافة الخيالية تخلق أجواء من الغموض والتشويق الذي يناسب الفتيان والشباب. إنّ تقديم الشخصيات كجزء من عالم يتخطى الزمان والمكان التقليديين، ويجمع بين الماضي والحاضر، يسمح للقارئ بتخيل نفسه في نفس مكان البطل، مشاركًا في إحياء التراث. من الناحية النقدية، يمكن القول إن هذا الأسلوب يتبع «التاريخ التخيلي» (Historical Fantasy)، وهو نوع أدبي يمزج بين الوقائع التاريخية والخيال. وهو نهج أدبي شائع في الروايات التاريخية الموجهة للفتيان والشباب، لأنه يمنح الكاتب الحرية لخلق تجربة أدبية متكاملة تجمع بين التشويق، المغامرة، والمعرفة.
وعند إجراء قراءة نقدية لرواية «النبطي المنشود» من منظور القيم الأخلاقية والرسائل الضمنية التي تسعى الرواية إلى إيصالها، نجد أنها تحتوي على العديد من القيم الجوهرية التي تشكل ركائز تربوية مهمة للفتيان والشباب.
يظهر الولاء بشكل واضح في شخصية معمّر، الذي يمثل الشاب المخلص لحضارته وتاريخه. منذ الطفولة، يُظهر معمّر ارتباطًا عاطفيًا وروحيًا مع مدينة البترا ومعالمها، وهو شعور بالانتماء الذي يتجسد في سعيه للحفاظ على التراث النبطي وإعادة اكتشاف أمجاده. هذا الولاء للحضارة والتراث يرسخ في ذهن القارئ الشاب أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية والانتماء للتاريخ. الرسالة الضمنية هنا هي أن الفخر بالأصول والانتماء للتاريخ ليس مجرد شعور عابر، بل مسؤولية يجب تحملها والاعتزاز بها.
ويتضح الولاء في علاقات معمّر مع الشخصيات الأخرى مثل الدكتورة سونيا والدكتور هادي. حيث يظهر التزام معمّر تجاه هؤلاء الأشخاص من خلال دعمهم ومساندتهم في مساعيهم العلمية. هذه الديناميكية تعزز قيمة الولاء للأصدقاء والعمل الجماعي، وهي رسالة مهمة للشباب عن قيمة العلاقات الإنسانية المبنية على التعاون والاحترام.
وتسلط الرواية الضوء على شجاعة معمّر في مواجهة التحديات، سواء كانت مادية أو معنوية. مواجهة معمّر للصعوبات المرتبطة بكشف الحضارة النبطية، والتحقيق في أسرارها العلمية، تتطلب شجاعة داخلية كبيرة. من خلال شخصية معمّر، يُقدم الكاتب رسالة ضمنية للشباب تحثهم على التحلي بالشجاعة في السعي لتحقيق أهدافهم حتى وإن بدت المهمة مستحيلة أو محاطة بالمخاطر. وتبرز الرواية أيضًا نوعًا آخر من الشجاعة، وهو الشجاعة الفكرية. هذه الشجاعة تتجلى في إصرار معمّر على تقديم رؤى جديدة ومبتكرة حول الحضارة النبطية، ومحاولة إقناع المجتمع العلمي بتلك الرؤى. هذا يعزز لدى الشباب قيمة الدفاع عن الأفكار الجديدة والتغيير الإيجابي، حتى في وجه المعارضة أو التحديات الفكرية. وتُظهر شخصية معمّر مفهوم التضحية في سبيل تحقيق غاية أكبر. يتضح ذلك من خلال تكريسه لحياته للبحث والتنقيب في تاريخ الأنباط، متجاهلًا الكثير من المنافع الشخصية من أجل هدف سامٍ، وهو إحياء التراث النبطي وإثبات تفوق هذه الحضارة. هذا يعكس قيمة التضحية التي يبرزها الكاتب كرسالة تربوية للفتيان والشباب، مفادها أن القيم العظيمة والأهداف النبيلة تتطلب جهدًا وتضحية من أجل تحقيقها.
تغرس الرواية في نفوس الشباب أهمية البحث عن المعرفة كقيمة أخلاقية. فمعمّر يُظهر شغفًا مستمرًا بالعلم، سواء من خلال البحث عن الأسرار العلمية للحضارة النبطية أو من خلال تعاونه مع الشخصيات الأخرى مثل الدكتور هادي والدكتورة سونيا. هذه الرسالة الضمنية تعزز من قيمة العلم والتعلم لدى الفتيان والشباب، حيث يُصور العلم كوسيلة لتحقيق الذات وخدمة المجتمع.
تُبرز الحطّاب فضول معمّر كقيمة إيجابية تدفعه للاستمرار في البحث عن حقائق الحضارة النبطية. الفضول هنا هو فضول معرفي يحفز على الاكتشاف والاستكشاف. كما أن العلاقة بين معمّر وسونيا، وكذلك مع الشخصيات الأخرى، تُظهر قيمة التعاون والعمل الجماعي. فنجاح معمّر في تحقيق هدفه لم يكن مجهودًا فرديًا، بل اعتمد على تعاون الآخرين ومساعدتهم له. هذه الرسالة الضمنية تحث على التعاون، وتؤكد أن العمل الجماعي هو المفتاح لتحقيق النجاح، وهو درس هام يمكن أن يستفيد منه الشباب في حياتهم الاجتماعية والمهنية. كما تبرز الرواية مسؤولية معمّر تجاه الحفاظ على التراث النبطي وإحيائه. هذه المسؤولية جسدت رغبة شخصية، كما أنها جزء من إحساس معمّر بدوره في الحفاظ على الإرث الحضاري. هذه القيمة تغرس في الشباب الشعور بالمسؤولية تجاه تراثهم وثقافتهم، وتحثهم على أن يكونوا حراسًا على هذا التراث، ليس فقط بالاعتزاز به، ولكن أيضًا بالسعي لإحيائه والمحافظة عليه.
عند تناول التأثير الثقافي والتعليمي لرواية «النبطي المنشود» على القراء الشباب، نجد أنها رواية تجمع بين التعليم والترفيه، وتقدم محتوىً تاريخيًا غنيًا بأسلوب مشوق وجذاب. ويساهم السرد المتوازن بين الخيال والحقيقة في تحفيز القراء على التفكير بطريقة جديدة حول التاريخ، وفهم الحضارات القديمة، وخاصة الحضارة النبطية. وهي رواية تسهم بشكل ملحوظ في إثراء الوعي الثقافي والتعليمي لدى الشباب، حيث تقدم معلومات قيمة عن الحضارة النبطية، وهي حضارة قد تكون مجهولة للكثيرين. من خلال السرد التفصيلي لمدينة البترا، وما تميزت به من هندسة معمارية متقدمة ونظم ري مبتكرة، يتم تعريف القراء بجوانب عدة من تلك الحضارة التي شهدت تطورًا ملحوظًا في مجالات الفلك والهندسة. هذه التفاصيل تجعل الرواية إضافة تعليمية هامة، حيث توفر معلومات لا تُدرّس غالبًا في المناهج التقليدية، لكنها تقدمها بأسلوب سردي مشوق.
إلى جانب ذلك، يعتمد الكاتب على عنصر الخيال بطريقة ذكية، حيث يسهم في تقديم هذه المعلومات التاريخية في قالب ممتع يجذب اهتمام الشباب. استخدام الأدوات الفلكية النبطية كنقطة محورية في أحداث الرواية يجعل من اكتشافاتها العلمية وسيلة ممتعة للتعلم. هذا الدمج بين الخيال والحقيقة يسهم في تسهيل استيعاب القارئ للمادة التاريخية، ويجعله يعيش تجربة تعليمية غير مباشرة.
كما أن الرواية تنجح في إثارة فضول القارئ حول التاريخ بشكل عام، وتاريخ الأنباط على وجه الخصوص. من خلال تسليط الضوء على إنجازات الحضارة النبطية، تُفتح أمام الشباب آفاق جديدة للتفكير في مدى التقدم الذي شهدته تلك الحضارات، مما يدفعهم إلى البحث واستكشاف المزيد. هذا الفضول التاريخي يُعتبر نقطة انطلاق لتحفيز القراء على التعمق في التاريخ بطريقة تتجاوز الكتب المدرسية، ليصبح التاريخ جزءًا حيًا من حياتهم الشخصية، كما كان الحال مع معمّر، الذي لم يرَ التاريخ مجرد مجموعة من الأحداث الماضية، بل إرثًا يجب اكتشافه وإحياؤه.
وفوق ذلك، تُعزز الرواية إحساس القارئ بالانتماء والاعتزاز بالهوية الثقافية. إبراز الحضارة النبطية كمصدر للفخر والقوة يجعل الشباب يشعرون بمسؤولية أكبر تجاه التراث الثقافي، وقد يلهمهم للتعمق في دراسة حضاراتهم المحلية والحفاظ على مواقع التراث الثقافي. وبهذا، لا يقتصر التأثير الثقافي للرواية على البعد المحلي فحسب، بل يمتد ليعزز فهم الشباب لقيمة التراث العالمي. إذ من خلال إظهار التفاعل الحضاري بين الأمم القديمة، يتسع وعي الشباب حول الترابط بين الحضارات، مما يعزز رؤيتهم للعالم كشبكة متكاملة من التأثيرات الثقافية المتبادلة. علاوة على ذلك، تغرس الرواية قيمًا أخلاقية في نفوس القراء من خلال الشخصيات التي تمثل نماذج للتفاني والشجاعة والولاء. مثل شخصية معمّر الذي يسعى للحفاظ على التراث وإعادة اكتشافه. هذه القيم تقدم للقراء دروسًا في كيفية التعامل مع التحديات، وتحقيق الأهداف الكبرى، مما يجعل التعليم هنا يتجاوز المعرفة الأكاديمية ليشمل الجوانب الأخلاقية أيضًا.
ومن زاوية أخرى، تشجع الرواية على التفكير النقدي، حيث تعرض التاريخ بطريقة تدفع القراء إلى التساؤل والتحليل. لا يُقدّم التاريخ في الرواية كحقائق ثابتة، بل كموضوع يستدعي الدراسة والنقاش، مما يشجع الشباب على البحث عن تفسيرات متعددة وفهم أعمق للأحداث التاريخية.