عروبة الإخباري – هادية آمنة
تحشّرت الأفكار داخل رأس فردريك متلاطمة سوداء كأمواج محيط هادر، فاختلّ توازن سيّارته وانحرفت عن طريقها. نزل، بخطى واهنة مشى نحو السبخة السّاكنة تحت صفرة شمس الغروب الحزينة. ركل لا شيء بطرف قدمه
” في تلك اللّيلة، ليلة عيد ميلادك، مغيّب كان عقلك يا فردريك، حبيبتك كانت تنتظرك بلهفة العاشق هكذا تهيّا لك. كنت وكأنّك على موعد غرام طال انتظاره لسنين. انبهرت عيونك بحسن شرقيّ فريد، تهدّجت أنفاسك المخمورة وأناملك الخبيرة مروّضة جسدا غريرا أنهكه الهلع وشلّه الخوف فركبت صهوته وعبرتَ، تدفّق الدّم في الشرايين، تشنّجت الأعضاء، ذادت، تصلّبت، تنادت، تعاضدت في انتفاضة رافعة شعار” لا قانون إلا قانون الطبيعة” تتوّجت الثورة بهزّة عنيفة كزلزال قوّض أركان بركان منغلق على ذاته فتدافعت حممه متنفّسة مع شهقاتك المنتشيّة ونشيجها. هي ليست امرأة رماديّة كالنساء اللواتي تمرغن في فراشك. هي … من هي؟ وأين هي؟
لماذا تحمل ذنب ذلك اللقاء وتلك النشوة؟ لقد عشقتَها من نظرتها الأولى لك. نظرة فيها توسّل يا سافل نظرة مستغيث مستجير بكَ، منكَ، وغد أنتَ لا أخلاق لك، ذئب بشري، مستعمر خسيس ووضيع.
ضاق صدره وانفجر باكيا.
*******
**
حملتها الحمى إلى هوّة سحيقة فتأرجحت عارم بين غيبوبة طويلة واستفاقة قصيرة تنادي أمّها قابضة بكفها على التبن الذي كان فراشها في إسطبل داخل منزل الشيخ تراب. نكش الشّيخ لحيته البيضاء الطويلة وبربش بعينه الحمراء المتورّمة من رمد ملازم لها. تنحنح ثمّ ضرب كفّا بالأخرى معلقا على كلام زوجته التي أسرّت له:
ـ مسوّكة ومكحلة ومحنيّة الله يُلطف بينا ، لو حمت نفسها يروث البهائم وسواد الكانون كما تفعل بناتنا العفيفات لما وقع لها ما وقع.
نظر إليها زوجها بشقّ عينه وقال:
ـ ساعة القضاء ليها غفلة، الشّابة مقطوعة من شجرة ليس لها إلا أمّها وقد قتلها الجندرمة.
ثمّ ضرب صدره الأجوف بكفّه قائلا:
ـ أنا مُلزم بالستر على هذه المسكينة.
بعد جدال وخصام وتهديد بالطّلاق قبلت زوجة “شيخ تراب ” وهي وظيفة مهمّتها أن يكون صاحبها عينا على الأهالي رقيبا لهم. صارت عارم لها ضرّة فأنهكتها بأشغال الدّار والقلع والزّرع وتعهّد البهائم، كلّ هذه المشاق هيّنة أمام بشاعة سفاهة الشّيخ في الليالي التي يقضيها معها.