عروبة الإخباري –
تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيداً مستمراً في الصراعات والتوترات، حيث يتزايد الحديث عن إمكانية توسيع نطاق الحرب في المنطقة، ومثل هذا السيناريو، إذا تحقق، سيحمل تكاليف باهظة على المستويين الإقليمي والدولي، تتراوح بين الخسائر البشرية والاقتصادية والسياسية.
وعلى المستوى الإقليمي، فإن توسع الحرب يعني بالتأكيد إشراك عدد من الدول المجاورة في الصراع ومنها العراق ولبنان وسوريا وهي الأكثر عرضة للتأثر المباشر بسبب نفوذ حزب الله المدعوم من إيران والجماعات المسلحة العاملة في سوريا والعراق، وإذا قررت إسرائيل توسيع عملياتها العسكرية لتشمل استهداف قواعد هذه الفصائل، فقد يؤدي هذا إلى حرب إقليمية شاملة تجر قوى أخرى مثل إيران والعراق، بالإضافة إلى الفصائل الفلسطينية، ومن المتوقع أن يخلف هذا النوع من التصعيد تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة، حيث من المتوقع أن ترد إيران إما عبر وكلائها في المنطقة أو بشكل مباشر، وهو ما قد يؤدي إلى فتح جبهات جديدة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية أو السورية، مما يزيد من احتمالات اندلاع حرب طويلة الأمد، كما أن هذا التصعيد سيدفع دول المنطقة لتعزيز قدراتها العسكرية، مما يزيد من أعباء الإنفاق العسكري في المنطقة على حساب الاستثمارات في قطاعات حيوية أخرى مثل التعليم والصحة والبنية الأساسية، وسوف يتفاقم الوضع إذا اضطرت هذه الدول إلى استقبال موجات جديدة من اللاجئين، وهو ما سيفرض ضغوطاً إضافية على مواردها، وإن توسع الحرب سوف يخلف آثاراً اقتصادية كارثية على المنطقة والعالم، حيث يشكل الشرق الأوسط (30%) من إنتاج النفط العالمي و(17%) من إنتاج الغاز الطبيعي، وأي اضطرابات قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة بنسبة تصل إلى (20%)، مما يزيد من تكاليف النقل والإنتاج على مستوى العالم.
وعلى الصعيد الدولي فإن التداعيات لا تقل خطورة، حيث قد تضطر القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين إلى التدخل لحماية مصالحها في المنطقة، فارتفاع أسعار النفط بنسبة تتراوح بين (20%) و(30%) من شأنه أن يزيد من تكاليف الإنتاج والنقل العالمية، مما يؤدي إلى التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وإن تعطيل التجارة في الممرات البحرية مثل قناة السويس، التي تمر عبرها (12%) من التجارة العالمية و(10%) من النفط، قد يتسبب في خسائر تتراوح بين (6 و10) مليارات دولار يومياً، وبالإضافة إلى ذلك، فإن تهديد خطوط الأنابيب الاستراتيجية قد يؤدي إلى خفض إمدادات الطاقة بنسبة تتراوح بين (5% و10%)، مما قد يؤدي إلى تعقيد أزمة الطاقة العالمية، وعلى الصعيد السياسي من شأن التوترات العسكرية أن تؤدي إلى تصعيد العلاقات بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، وخاصة في ظل الانقسامات الحالية حول كيفية التعامل مع إيران وإسرائيل، وهو ما يزيد من احتمالات تصعيد التوترات الجيوسياسية وتراجع الجهود الدبلوماسية لحل الأزمات، ومن شأن هذا السيناريو أن يزيد من تعميق الانقسامات السياسية بين القوى الكبرى، الأمر الذي قد يؤدي إلى فشل الجهود الدولية لحل الصراعات في الشرق الأوسط، وتعزيز عودة السياسات الأحادية الجانب التي تهدد النظام الدولي القائم.
أشاد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بعملية طوفان الأقصى وحرص على إنكار أي دور إيراني في الهجوم وإظهارالموازنة بين الدعم الإيراني لشبكة التحالف الإقليمي التي تقودها إيران والمعروفة بإسم “محور المقاومة”
لقد ثبت أن الهجوم الإسرائيلي على غزة كان في بعض النواحي ذو فائدة كبيرة لإيران، حيث عزز بعض أهدافها الاستراتيجية وعزز سمعتها في المنطقة، ففي نوفمبر 2023، وجد تقرير صادر عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن ما معدله (40٪) من المستجيبين في مصر والعراق والأردن ولبنان وفلسطين وسوريا قالوا إن تصرفات إيران كان لها تأثير إيجابي على الحرب. وفي مصر وسوريا، عبر نصف المستجيبين عن مثل هذه المشاعر.
أسهمت التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في تأجيج المشاعر الشعبية في العديد من الدول العربية، مما فرض على تلك الحكومات ضغوط فيما يتصل بعدم المضي قدماً في أي خطوات ملموسة نحو التطبيع أو تعزيز التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، وهو على وجه التحديد أحد الأهداف الرئيسية لإيران، وبما أن إيران قد فشلت بالفعل في مساعدة حماس في صراعها مع إسرائيل، فإن أي رهان على موقف إيران تجاه الحرب في غزة نسجاً من الخيال، وهذا يعني ضمناً أن التهديد الإقليمي والعالمي من جانب إيران يتجاوز مجرد إشعال المواجهة بين حماس وإسرائيل. فمن خلال استخدام الصراع كتكتيك تحويلي يعزز الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة، تسعى إيران إلى تحويل الإنتباه عن الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها، والتحديات والطموحات الإقليمية، وتطوير البرنامج النووي.
فإيران لديها تاريخ راسخ في استخدام الحرب بالوكالة، حيث تدعم الجهات الفاعلة غير الحكومية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة، وإن الحرب الجارية في غزة تقدم فرصة لإيران لتعزيز وترسيخ علاقاتها وتحالفاتها في منطقة الشرق الأوسط، من خلال توفير الدعم المالي والمادي والتكنولوجي، ويمكن لإيران تعزيز قدرات هذه الجماعات، وتمكينها من تكثيف ضرباتها ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، يمكن أن يؤدي هذا إلى صراع مطول وعدم استقرار إقليمي أكبر، وهو ما كان دائمًا من بين الأهداف الرئيسية لإيران. بالإضافة إلى ذلك، حتى لو لم يكن هذا هو الحال الفعلي للمجموعات، فإن الصراع في غزة يقدم الفرصة لإيران لحشد الدعم من الجهات الفاعلة ذات التفكير المماثل داخل المنطقة، مما قد يؤدي إلى توسيع شبكتها وتحالفاتها ونفوذها في المنطقة العربية.
وتعتقد القيادات الإيرانية السياسية والدينية أن الدول العربية ليست سوى أدوات والمسلمين السنة هم ألد أعداء الجمهورية الشيعية، وتسعى لاستغلال جماعاتها لتحقيق أحلام وطموحات إحياء الإمبراطورية الفارسية، ويظهر ذلك في خطابات القيادات الإيرانية، ففي 3 يونيو 2024، وخلال خطابه في الذكرى الخامسة والثلاثين لوفاة الخميني، صرح المرشد الأعلى الإيراني خامنئي أن المنطقة بحاجة إلى هجوم 7 أكتوبر، وأنه جاء في الوقت المناسب للمنطقة”، وقال أيضًا إن “الفلسطينيين واجهوا العدو الإسرائيلي وحاصروه، لذلك لم يتمكنوا من الفرار”، وأن “الحرب المدمرة المستمرة على غزة جعلت القضية الفلسطينية على رأس أولويات العالم”. وهكذا انتهى خطاب المرشد الأعلى، ولكن لماذا لا؟ ففي نهاية المطاف، بالنسبة لإيران، فإن كل التطورات التي تشهدها المنطقة منذ السابع من أكتوبر ليس أكثر من ورقة مساومة تضيفها لتحقيق مصالحها في المنطقة العربية، ما دامت الدماء التي أريقت ليست فارسية. وفي بيان رسمي، ردت السلطة الوطنية الفلسطينية قائلة: “إن شعبنا هو أول من يتأثر بالحرب الإسرائيلية ويدفع ثمن استمرارها”، وبدلاً من حشد العرب حول هذا الرد، تعرض محمود عباس (أبو مازن) للهجوم بأشد العبارات، في حين تم الاحتفال بكلمات خامنئي، وفي يونيو وتحديداً في 13 يونيو 2024، قال نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع مستشار الأمن القومي العراقي: “خلافات أميركا مع إيران هي حول الحصة التي خصصتها لنا، ولم نقبل بذلك، ونسعى للحصول على حصتنا في المنطقة”، ورغم خطورة هذه التصريحات وطبيعتها الكارثية، التي تكشف بوضوح عن أهداف إيران الخبيثة، إلا أن الواقع العربي في ما يسمى “محور المقاومة” تجاهلها تماماً وكأن المسؤول الإيراني لم يتحدث حتى، وفي 26 أغسطس 2024، لخص المرشد الأعلى علي خامنئي الصراع السني- الشيعي وكشف عن وجهة نظر إيران الحقيقية تجاه المسلمين السنة في مختلف أنحاء العالم عندما غرد بتصريح بالغ الأهمية: “أنا في سلام مع من هم في سلام معكم، وأنا في حرب مع من هم في حرب معكم إلى يوم القيامة، وإن المعركة بين الجبهة الحسينية والجبهة الإيزيدية مستمرة ولن تنتهي أبدا”، مما يكشف بشكل واضح خطورة وأبعاد وتوجهات السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة، وحقيقة توجهاتها تجاه الدول العربية، مما يتطلب من الشعوب والحكومات فهم تأثيرها السلبية الحالية والمستقبلية على أمنها واستقرارها.