هل تحتمل إسرائيل كلفة حرب برية؟* ماهر أبو طير

تتصاعد العمليات العسكرية بين الاحتلال الإسرائيلي، والمقاومة اللبنانية، وبطبيعة الحال فإن خط التصعيد يرتفع يوما بعد يوم، مقارنة ببدايات حرب غزة التي تقترب من نهاية عامها الأول.

إسرائيل ترفع وتيرة العمليات لانها تريد تحقيق عدة أهداف، من بينها تعويض صورتها المتضررة ميدانيا في قطاع غزة، بعد أن تجرأت على المدنيين الفلسطينيين ولم تصل إلى أي أسير إسرائيلي، أو رأس قيادي من قيادات غزة، ولم تحقق الكثير من أهداف الحرب المعلنة، فيما أهداف الحرب غير المعلنة فتواجه عراقيل كثيرة، ومن أبرز هذه الأهداف الرغبة بتهجير الفلسطينيين، واقتطاع شمال القطاع وفصله عن الجنوب، والسيطرة على شواطئ غزة، من أجل نهب الغاز الفلسطيني وإعادة بناء المستوطنات داخل القطاع وغير ذلك من أهداف.
تجربة إسرائيل مع لبنان تجربة مختلفة، فقد احتلت إسرائيل بيروت، عام 1982 بهدف طرد التنظيمات الفلسطينية، وارتكبت مجازر معروفة، وبقيت تحتل مناطق في الجنوب اللبناني، وأنشأت شبكات أمنية وسياسية متعاونة ووظفت التناقضات السياسية والطائفية والمذهبية بين اللبنانيين من أجل تحقيق خروقات، ونفذت عمليات عسكرية في فترات متقطعة ضد لبنان، والكل يتذكر حرب 2006، وما نتج عنها من كلف على صعيد الحياة في جنوب لبنان.
هذه المرة وجهت إسرائيل ضربات صعبة للبنانيين، من تفجيرات البيجر، إلى عمليات استهداف منصات الصواريخ وغيرها، ومن المؤكد انها لم تصل إلا لأقل القليل مما لدى اللبنانيين، لكنها تتدرج في خطواتها بهدف ردع حزب الله، واجباره على وقف إطلاق الصواريخ والمسيرات، والعودة إلى ما وراء نهر الليطاني والسماح لمستوطني الشمال الفلسطيني بالعودة، مع الضغط أيضا من أجل أن تتحرك إيران لوقف كل جماعاتها عن الاستمرار بالحرب، والضغط على قطاع غزة لقبول صفقة أسرى، تعطي إسرائيل فرصة للتنفس قبل انتخابات واشنطن.
اضطرار إسرائيل لاجتياح جنوب لبنان، بشكل يؤدي إلى تطهير هذه المناطق من الأخطار، احتمال ضعيف يطرحه محللون باعتباره خيارا صعبا ومكلفا سوف تتجنبه إسرائيل، فيما يستبعده محللون آخرون لعجز إسرائيل عن كلفة تمدد الحرب وتوسعها بهذه الطريقة، وهي التي لا تحتمل كلفة الصواريخ والمسيرات عليها من جنوب لبنان، فكيف بالدخول البري إلى لبنان؟.
كل تجارب إسرائيل في دخول لبنان كانت سيئة عليها، وجيشها غير قادر على الحروب البرية في لبنان، خصوصا، مع اقتراب الشتاء ومواسم الثلوج والمطر، وتعرف إسرائيل أن دخولها البري سيكون الأخطر عليها في هذه الحرب، ولهذا تواصل الاستثمار في الحروب عن بعد، من خلال التذكير بتفجير خزانات الأمونيا، في ميناء بيروت، وصولا إلى تفجيرات البيجر، وسط تسريبات تتحدث عن تقنيات عسكرية متطورة قد تستعملها إسرائيل لمحو مناطق كاملة في الجنوب بشكل غير متوقع، وللأسف يتورط الإعلام العربي في تخويف اللبنانيين هنا.
العقدة تكمن هنا في أن جبهة لبنان، ليست وحيدة، إذ ان صواريخ المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية واليمنية تنهمر على إسرائيل، فيما الأم الحاضنة في طهران تتفرج على المشهد وتوكل هذه المهمات لجماعات معينة نيابة عنها، لانها لا تريد الزج بالشعب الإيراني في حرب إقليمية، ولا تدمير إيران واقتصادها، وتفضل ربما الوصول إلى صفقة يتم من خلالها الاعتراف بنفوذ إيران في المنطقة، مقابل نفوذ إسرائيل في المنطقة، وهذا رأي يطرحه بعض المحللين، فيما يراه آخرون غمزا من قناة إيران ودوافعها الخفية وراء كل هذا المشهد الحساس.
خرج البعض ليقول ما هو أخطر، أي أن إيران عقدت صفقة سرية مع واشنطن بمعرفة إسرائيل، أدت إلى تخلي إيران عن حماس وحزب الله، مقابل مزايا لإيران في المنطقة ومساحات نفوذها، وأصحاب هذا الرأي يقولون إن الوضع اختلف جذريا من خلال الاغتيالات في طهران وبيروت، بما قد يؤشر على قبول إيران تصفير ملف المقاومة كليا، وإذا كان هذا الرأي يقوله بعض العرب، فهو أيضا يتطابق مع كلام يسربه الإسرائيليون، وقد تكون كل القصة صحيحة، وقد تكون جزءا من الحرب النفسية على المنطقة، وعلى من راهن من أهلها على دعم إيران.
احتلال إسرائيل للبنان سيكون آخر خيارات إسرائيل، وهو خيار مستعبد، كون الحرب البرية محسومة النتائج لصالح اللبنانيين فهم في أرضهم، مقابل عدو جرب سابقا كلفة الحرب البرية.

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات