مراجعة صعبة مع الصندوق* سلامة الدرعاوي

ستبدأ بعثة رسمية من صندوق النقد الدولي نهاية الشهر الحالي مراجعتها الثانية للاتفاق الهيكلي مع الأردن، الممتد للفترة (2024-2028).
المراجعة الأولى التي تمت في شهر حزيران أنجزت على أكمل وجه، مدعومة بجانب سياسي مهم، رغم التراجع النسبي في إيرادات الخزينة في ذلك الوقت، إضافة إلى تحسن مؤشرات المملكة لدى مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية.

لكن المراجعة الثانية، والتي من المرجح أن تستمر أسبوعين، ستكون هذه المرة صعبة، وستواجه بعض التحديات في المفاوضات الثنائية بين الصندوق والوفد الأردني في عدد من الجوانب الاقتصادية المهمة.
تكمن صعوبة المراجعة الثانية في انخفاض الإيرادات الضريبية عن التقديرات التي وردت في قانون الموازنة العامة لسنة 2024 بشكل ملحوظ.
ويقر المسؤولون المطلعون أن حجم التراجع في الإيرادات يُقدر بحوالي 700 مليون دينار على أقل تقدير، مما يعني زيادة في العجز المستهدف بنفس المبلغ، وهذا يخالف بلا شك تقديرات صندوق النقد ضمن البرنامج المتفق عليه.
كما ذكرنا سابقا، فإن الهبوط في الإيرادات كان لأسباب داخلية وخارجية، وبالنسبة للأسباب الداخلية، تم علاج الجزء الأكبر منها بعد قيام الحكومة السابقة بتخفيض نفقاتها بنسبة 15 %، ورفع الضريبة الخاصة على السيارات الكهربائية والسجائر.
أما الأسباب الخارجية، فتتعلق بالأوضاع الإقليمية وتداعيات حرب الإبادة في غزة، والتخوفات المستقبلية من توسيع نطاق الحرب لتصبح إقليمية، وكل هذا يلقي بظلال قاتمة على المناخ الاقتصادي في المنطقة عامة، والمملكة خاصة، حيث ستتأثر بيئة الأعمال بضغط كبير، مما سيحد من الاستثمار، والتدفقات السياحية، والأنشطة الإنتاجية، والاستهلاكية، وبالتالي، قد يؤدي ذلك إلى مزيد من الخسائر في إيرادات الدولة المحلية نتيجة التخوفات لدى المستثمرين والمستهلكين معا، وحالة عدم اليقين التي ستسود الأجواء الاقتصادية الوطنية، مما سيؤثر حتما بشكل سلبي على العملية الاقتصادية في مجمل القطاعات الإنتاجية والاستثمارية.
الحكومة السابقة، وقبل رحيلها بأيام قليلة، التقى وفد رسمي منها بمسؤولين كبار في صندوق النقد الدولي بنيويورك في زيارة خاطفة كان هدفها إطلاع المؤسسة الدولية على الأسباب الحقيقية لهبوط الإيرادات وعدم التمكن من تحقيق مؤشرات قانون الموازنة العامة لسنة 2024، حيث أطلع الوفد الحكومي- ضم وزير المالية ومحافظ البنك المركزي ومسؤولين كبارا-الصندوق على العوامل التي أدت إلى هذا الهبوط وكيفية تأثر الإيرادات بأسباب خارجية قاهرة أدت إلى هذا الانخفاض غير المتوقع، وهو أمر خارج عن قدرة الحكومة في السيطرة والتتبع.
الصندوق حينها تفهم الموقف الأردني، وقدر قدوم الوفد إليه مبكرا لإطلاعه على الوضع والمستجدات الاقتصادية، مبديا تفهما عاليا للعديد من المبررات الحكومية التي قدمها الوفد الرسمي، تاركا الموضوع للبت فيه من قبل البعثة التي ستزور المملكة نهاية هذا الشهر.
لا شك في أن الصندوق وافق على الإجراءات المالية الضريبية الأخيرة التي اتخذتها الحكومة السابقة، لكن يبقى السؤال الذي يُطرح دائما: هل ستتجاوز تداعيات حرب غزة تقديرات الحكومة، وتكون أكبر مما هي عليه الآن؟
من المؤكد أن الصندوق لن يكتفي بما اتخذته الحكومة من إجراءات، وسيكون هناك حديث حول كيفية اتخاذ مزيد من التدابير لضبط النفقات والسيطرة قدر الإمكان على العجز المالي في الموازنة، ناهيك عن أن هذه الإجراءات ستترجم في مشروع قانون موازنة 2025.
قد تصل الحكومة مع نهاية هذا العام إلى مستويات قريبة من المؤشرات المالية المستهدفة في 2024، وهذا الأمر مرتبط بحصول الأردن على مساعدات استثنائية من الولايات المتحدة خارج الاتفاق السنوي، والتي من المتوقع أن تصل قيمتها إلى 400 مليون دولار.
في نهاية المطاف، الاقتصاد الأردني وتوجهاته المستقبلية مرتبطان بتطورات الحالة الإقليمية، والضغوطات في تزايد مستمر، مما يتطلب سلوكا إنفاقيا حذرا يتناسب مع طبيعة المرحلة، ويكون أقرب إلى التحوط والأمان، والابتعاد عن أي مغامرات إنفاقية غير محسوبة قد تؤثر على المستقبل القريب.

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات