عروبة الإخباري =
بعد ساعات قليلة على حدوث انفجار أجهزة البيجر، التي كان يستخدمها عناصر حزب الله في لبنان، توالت التعليقات، وتحدث الخبراء من عسكريين وفنيين، الذين اتفقوا بغالبيتهم، على أن الأجهزة كانت تحتوي على شحنة متفجرات، وضعتها إسرائيل بداخل بطاريات هذه الأجهزة، وحددوا كمية المتفجرات بأنها ما بين 20 و 30 غرام من مادة PETN، وقالوا أنه تم تفعيلها الكترونياً فحدث الانفجار.
والبعض خلط بين الهجوم السيبراني، الذي يُنفذ ضد أجهزة الكمبيوتر، والهجوم الالكتروني، الذي يُنفذ على الأجهزة الراديوية والكهربائية.
من الطبيعي أن يذهب غالبية الخبراء إلى هذا التحليل:
أولاً لأن الإنسان بطبيعته يذهب دائماً إلى ربط الأمور بما يعرفه، ويبتعد عمّا يجهله، والجميع يعلم أن الانفجار القوي، يرتبط بوجود مادة متفجرة.
ثانياً: لأنه في الحقيقة، غالبية الخبراء العسكريين، الذين تحدثوا على الشاشات، هم ليسوا خبراء متفجرات، وحتى أن البعض، لم يبذل ولو جهداً بسيطاً، للتأكد من المعلومات التي يتحدث عنها للإعلام، وتحول الأمر إلى نوع من السبق الصحفي والظهور الإعلامي بخلفيات سياسية، أكثر مما هي معلومات عسكرية وتقنية سليمة.
بالعودة إلى المادة المتفجرة التي قيل أنها كانت موجودة داخل أجهزة البيجر، أي مادة PETN فإن تركيبتها الكيميائية، ترتكز مثل كل المتفجرات، على تعزيز المادة بالاوكسيجين اللازم للانفجار، ورمزها C5H8N4O12 ولا لون ولا رائحة لها، وتُصنع كبودرة بيضاء قابلة للصهر على حرارة 141,3 درجة مئوية، وهي ذات كثافة عالية تبلغ 1,77g/cm3 (أي أنها أثقل من السكر بقليل) وسرعة انفجارها تبلغ 8400 م/ث، وطاقة انفجارية توازي 5,81 جول/غرام (مما يعني أنها مادة شديدة الانفجار).
وتُعتبر PETN كمتفجر ثانوي، أي أنه يصعب تفجيرها, أكثر من المتفجرات الأولية المستخدمة في الصواعق، لذلك فإن سقوطها أو إشعالها لا يسبب انفجاراً، ولكنها أكثر حساسية للصدمات والاحتكاك من المتفجرات الثانوية الأخرى، مثل TNT ، وهي اشد قوة، وانفجار كلغ منها، يساوي انفجار 1.24 كلغ من مادة TNT.
يمكن لنبضة مدتها 25 نانوثانية، و0.5-4.2 جول من الطاقة من ليزر الياقوت Q-switched ، أن تبدأ تفجير سطح مادة PETN، إذا كان مغطى بطبقة من الألومنيوم، بسمك 100 نانومتر، في أقل من نصف ميكروثانية.
وفي ظل ظروف معينة، يمكن أن يحدث لمادة PETN، انتقال من الاشتعال إلى التفجير، تمامًا مثل حال نترات الأمونيوم، التي تنفجر عندما تبلغ حرارتها 360 درجة مئوية.
نادرًا ما يتم استخدام PETN بمفردها في العمليات العسكرية، بسبب انخفاض استقرارها، ولكن تُستخدم في الشحنات الرئيسية للمتفجرات البلاستيكية مثل C4 ، وجنبًا إلى جنب مع المتفجرات الأخرى خاصة RDX .
ومن الجدير ذكره أن مادة PETN يصعب اكتشافها، لأنها لا تتبخر بسهولة في الهواء، وضغطها البخاري منخفض، مما يجعل من الصعب اكتشافها، حتى من قبل الكلاب المدربة على اكتشاف القنابل.
لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد إمكانيات لاكتشافها، ويمكن استخدام العديد من التقنيات للكشف عن هذه المادة، بما في ذلك أجهزة الاستشعار الكيميائية، والأشعة السينية، والأشعة تحت الحمراء، والميكروويف، والتيراهيرتز، وقد تم تنفيذ بعض هذه الطرق، في تطبيقات الفحص العام في عدة دول، خاصة في المطارات.
يتضمن أحد أنظمة الكشف المستخدمة في المطارات، تحليل عينات المسحات المأخوذة من الركاب وأمتعتهم.
لا تُستخدم على نطاق واسع، أجهزة مسح الجسم بالكامل، التي تستخدم موجات كهرومغناطيسية، بترددات راديوية، أو أشعة سينية منخفضة الكثافة، أو أشعة تي بتردد تيراهرتز، والتي يمكنها اكتشاف الأشياء المخفية تحت الملابس، وذلك بسبب التكلفة العالية، والمخاوف بشأن تأخير المسافرين، ومخاوف انتهاك الخصوصية.
ومن خصائص هذه المتفجرات (التي ذكرنا بعضها فقط) ، يتضح أن كمية بوزن 20 غراماً، يكون حجمها 11,2 سم مكعب، (أي ان 7 غرام من هذه المادة، يعادل حجمها تقريباً، حجم بطارية صغيرة، بطول 4 سم وقطر 1 سم).
بعض التقارير، تحدثت عن دمج هذه المتفجرات داخل بطارية الليتيوم المخصصة لعمل جهاز البيجر، مع العلم أن حجم تلك البطارية هو صغير جداً، ولا يتسع سوى لكمية صغيرة جداً من المتفجرات، فوضع 2 غرام مثلاً، سيحتاج إلى إشغال حجم أكثر من واحد سم مكعب، والجهاز هو بطول 8 سم وعرض 5,54 سم وارتفاع 2 سم.
هذا يطرح علامات استفهام حول حقيقة ما حصل، وعدم التسليم بنظرية زرع متفجرات داخل الجهاز.
قد يكون الفاعل وعن قصد، حاول عبر بعض التقارير الاعلامية، توجيه الأنظار نحو عملية تفخيخ الأجهزة، كي لا يتم البحث عن احتمال آخر، واكتشاف أحد الأسرار العسكرية، التي توصّلت إليها بعض الدول، خاصة في مجالي تقنية النانو، والحرب الالكترونية، وحول الوسائل والتقنيات المستخدمة في الحروب المعاصرة.
وعمّا إذا كانت هذه الانفجارات ناجمة بالفعل عن شحنات خارجية، أو هجمات تكنولوجية، وتطوراً كبيراً حصل في مجال الحرب الإلكترونية والإرهاب التكنولوجي.
أمًا إذًا كان هناك فعلاً كمية من المتفجرات داخل الأجهزة، فمما لا شك فيه، أن الكمية ضئيلة جداً، ولا تتجاوز 3 إلى 5 غرامات، مع العلم أن هذه الكمية الصغيرة، هي كبيرة نسبة لحجم البطارية والجهاز، وكانت دون شك تشغل مساحة كبيرة بداخله، وكان يجب أن يتم كشفها في حال الفحص الدقيق للجهاز.
النقطة المهمة أيضاً،” والتي يجب ذكرها، هي أن الأجهزة، على الأرجح أنها لم تتعرض للفك خلال عملية التوريد، لأن فك الجهاز وتفخيخه، وإعادة تركيبه، سيترك آثراً، يمكن اكتشافه من قبل الفنيين، وسيعرّض عملية التفخيخ لخطر الكشف والفشل.
لذلك من المرجح في هذه الحالة، أن يكون قد تم تفخيخها فور تصنيعها، خاصة أنه حتى الآن من غير المعروف أين تم تصنيع هذه الأجهزة، فالشركة التايوانية نفت أن تكون قد صنعت أجهزة بيجر، تم توريدها إلى لبنان.
وهذا يعني أنه من المحتمل أن تكون قد تمت عملية استبدال الأجهزة في الطريق، خلال عملية التوريد.
والنقطة التي يجب طرحها هي: أنه ذا كانت إسرائيل قادرة على الوصول إلى الأجهزة، والعبث بها بهذا الشكل، فقد لا تكون خاطرت بزرع متفجرات بداخلها، حيث من الممكن أن يكتشف حزب الله وجود المتفجرات، لأنه دون شك سيفحص الأجهزة، وقد يفكك بعضها للتأكد من سلامتها، وبالتالي قد تكون لجأت فعلاً إلى طريقة أُخرى أكثر تطوراً من ناحية علم الفيزياء، واللعب بمكونات بطاريات الليثيوم، لتجعل انفجارها أكثر قوة، وتزرع شريحة داخل الجهاز، تتحكم بها عن طريق بث رسالة راديوية محددة، تصل إلى هذه الأجهزة وتسبب انفجارها، دون أن يكتشف الحزب أنه تم العبث بالأجهزة.
وهذا يعني، أن فرضية وجود بودرة متفجرات داخل الأجهزة، قد لا يكون لها أساس من الصحة.
بانتظار نتائج التحقيق الذي يجريه الحزب وبعض الخبراء، تبقى كل الاحتمالات قائمة، وقد يُعلن الحزب عما يتوصل إليه التحقيق، وقد لا يكشف كل شيء، لكن الأهم من كل ذلك، أننا فعلاً دخلنا عصراً جديداً من الحروب الالكترونية والسيبرانية.
ولا بد للحزب من أن يتعلم من هذه التجربة القاسية، والحذر من كل شيء، خاصة كاميرات المراقبة المنتشرة على طرقات لبنان، والمتصلة بالانترنت، والتي يمكن للعدو أن يخترقها، ويراقب من خلالها في أي وقت، لأن إسرائيل تستبيح كل المحرمات، وتحوّل كل ما هو مخصص للاستخدام في المجالات السلمية، إلى سلاح قاتل، واليوم فجرت أجهزة اتصال، وغداً قد تُفجر الأقلام، أو أي شيء آخر