وأخيراً.. وبعد سنوات من الرفع قرّر البنك المركزي الأمريكي خفض أسعار الفائدة بنسبة 0.5 % – نصف نقطة – في خطوة هي الأولى منذ نحو أربع سنوات، وذلك في إطار خطة لمكافحة التضخم وبعد توقعات بشأن ركود اقتصادي في الولايات المتحدة.
هذه الخطوة «المهمة والمتوقعة »- حسب ما كانت تمهّد له التصريحات الصادرة عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مؤخرا، والتي تشير أيضا الى توقع بأن يتبعها تخفيض آخر لأسعار الفائدة وبواقع «نصف نقطة » قبل نهاية العام الحالي، الأمر الذي يعني انتهاء سنوات صعبة مرّت بها اقتصادات العالم جراء اتباعها سياسة «الفيدرالي الأمريكي» برفع الفائدة في مواجهة الضغوط التضخمية.
نحن في الأردن ننتظر قرارات «المركزي الامريكي» – كما كثير من البنوك المركزية العالمية الاوروبية تحديدا والخليج والشرق الاوسط – والتي تربط معظمها عملاتها بالدولار الامريكي، فالاردن ربط ديناره بالدولار الامريكي منذ 1995 وقد أثبتت هذه السياسة نجاعتها وساهمت باستقرار وقوة السياسة النقدية وتجاوز الضغوط التضخمية، فكان «البنك المركزي الاردني» يرفع أسعار الفائدة كلما رفعها «المركزي الامريكي»، ويخفضها كلما تم تخفيضها أيضا.
لذلك فقد قرر البنك المركزي الاردني تخفيض أسعار الفائدة على كافة أدوات السياسة النقدية بمقدار 50 نقطة أساس اعتباراً من غد الأحد الموافق 22 أيلول/سبتمبر 2024، وهذا القرار يأتي بعد انتهاء دورة التشدد النقدي التي طبقها البنك منذ نهاية مارس/ آذار 2022، بهدف الحفاظ على الاستقرار النقدي وقوة الدينار الأردني، وكذلك احتواء الضغوط التضخمية.. وقد نجح «المركزي الأردني» بالفعل بالابقاء على نسب تضخم تعتبر من الأقل اقليميا وربما عالميا، وخفض معدلات «الدولرة »، ووصلت احتياطياته من العملات الاجنبية لنحو (20 مليار دولار) تغطي احتياجات المملكة لنحو (8.7) أشهر.
ولكن يبقى السؤال دائما: ما هي انعكاسات هذا التخفيض على الاقتصاد الأردني، وعلى المواطنين، والمقترضين «تحديدا» ؟ والاجابة عن هذا السؤال تتلخص بالنقاط التالية:
1 -قرار«المركزي» الاردني بتخفيض أسعار الفائدة 50 نقطة اعتبارا من يوم غد الاحد، يعني تماما أن أسعار الفائدة على قروض الاردنيين التي كانت ترتفع في كل مرة خلال السنوات القليلة الماضية، سيتم تخفيضها أخيرا من قبل البنوك، ولكن «وفقا لدورية تسديد الأقساط حسب الاتفاق بين البنك والعميل».
2 -هذا يعني بالضرورة، انخفاض كلفة القروض وقيمة الاقساط للمقترضين، ولكن يختلف موعد التنفيذ حسب العقد الموقع مع كل بنك، وهي مدد تختلف من ثلاثة اشهر أو ستة أشهر، وربما أقل أو أكثر- بحسب الاتفاق بين البنك والعميل -الذي غالبا يوقّع دون أن يقرأ بنود العقد، وعليه أن يراجع بنكه ليرى كيف و متى سيبدأ بالاستفادة من قرار تخفيض أسعار الفائدة ؟.. اضافة لانعكاسات القرار ايجابا على أسعار الفائدة – ليس فقط على القروض – بل أيضا على السلف، والجاري مدين، وأفضل العملاء والكمبيالات والسندات، .. وغيرها.
3 -هذا القرار من شأنه تنشيط «الاقتراض» من قبل العملاء أفرادا كانوا أم شركات، مما ينعكس ايجابا على الحركة الاقتصادية وتحديدا على القطاع الخاص والقطاع العقاري وقطاع السيارات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والقطاعات التي تراجعت مؤخرا لاسباب متعددة وفي مقدمتها تداعيات العدوان الاسرائيلي على غزة، والاضطرابات في الاقليم.
4 -انخفاض أسعار الفائدة له انعكاسات ايجابية على بورصة عمّان.
5 – من المتوقع أن تكون هناك آثار ايجابية لتخفيض أسعار الفائدة على الدّين العام بشقيه الداخلي والخارجي وخدمة الدين العام، وأذونات الخزينة، وانعكاس ذلك على عجز الموازنة، ومن المفترض ان تنعكس هذه الاثار الايجابية على النفقات التمويلية الاخرى وخاصة الراسمالية منها.
6 – العودة الى نهج تخفيض أسعار الفائدة، وتوقع الاستمرار بهذا النهج من المفترض أن ينعكس ايجابا على معدلات النمو والمساهمة برفعها، من خلال انعاش حركة الاستثمارات القادرة على خلق فرص عمل.
*باختصار: إذا كان تخفيض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الامريكية يتوقع أن ينعكس ايجابا على أسعارالرهن العقاري وبطاقات الائتمان والادخار لملايين المواطنين الأمريكيين، .. فان ّ المعوّل على قرار «المركزي الاردني» بتخفيض أسعار الفائدة بأن ينعكس ذلك ايجابا على اقساط الاردنيين أولا، أفرادا وقطاعا خاصا، وأن يساهم الاقبال على الاقتراض بفوائد أقل في هذه المرحلة بانعاش قطاعات معيّنة يقترض من اجلها الاردنيون اكثر من غيرها وفي مقدمتها قطاعات العقار والاسكان و السيارات، كما يتوقع ان ينعكس ذلك ايجابا على الدّين العام وخدمة الدّين العام الداخلي والخارجي وعلى عجز الموازنة.
والمطلوب أن يلمس «المقترضون» أثرا سريعا لقرار «المركزي الأردني» من خلال استجابة سريعة للتخفيض توازي -على الأقل سرعة استجابة البنوك حين كان القرار يتعلق برفع الفوائد وليس تخفيضها.