عروبة الإخباري – هالة نهرا –
في إطارِ أمسيات “موطني” يقدّم “مسرح المدينة” في بيروت أمسيتين للفنان اللبناني فراس عنداري (30- 9- 2024)، والشاعر والكاتب اللبناني زاهي وهبي ضمن عرضٍ مسرحيّ بعنوان “رسائل” من إخراج لينا عسيران (20 و21 -9- 2024).
عرض “رسائل” المسرحي هو من كتابة زاهي وهبي وإخراج لينا عسيران، تمثيل ريّان هبطة، مع مشاركة موسيقية حيّة من علي الصبّاح. يُقدَّم في لبنان من خلال ثلاثة عروض، الأول على مسرح “متحف نابو” في شمال، الثاني والثالث على خشبة “مسرح المدينة” في بيروت بتاريخ 20 و21 أيلول ضمن أسبوع “موطني”.
عرض “رسائل” هو تحية للأمّ والأمومة، سواء كانت الأم الوالدة أو الأم الأرض. إنه عبارة عن تحية وجدانية لأمّهات الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، عبر تجربة بعض الأمهات أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان في صيف العام 1982، ومنهن أمّ زاهي وهبي التي استوحى النصّ من خلال تجربتها الخاصة.
يقول لنا زاهي إنّ أهمّية هذا العمل تكمن أولاً في توقيته حيث تتضاعف معاناة الأمّهات في لبنان وفلسطين بسبب جريمة الإبادة التي يرتكبها الاحتلال، وحجم الثقل الذي يقع على كاهل النساء، ولا سيما الأمّهات منهنّ، فيما يزجّ الاحتلال الإسرائيلي بآلاف المعتقلين في سجونه الرهيبة.
وبحسب “كاتالوغ” العرض فإن “رسائل” هو عمل “يجتاز أصوات القرى، المدن، الأجساد، والأساطير، من جنوب لبنان إلى فلسطين. يتمحور حول الأمومة من خلال قصة أم تعيش حياة عادية في قرية، يُعتقل ابنها خلال الغزو الإسرائيلي للبنان. تنضمّ إلى نساء أخريات من قريتها والقرى المجاورة، جميعهن يحلمن بعبور الحدود لإعادة أبنائهن. تتردد أصواتهن عبر التاريخ، صدى الماضي، الحاضر، والمستقبل”. يخبرنا زاهي بأنّ العرض يستكشف أيضاً موضوع الحب بشكل عميق، الحب للأرض، والعائلة، وحب الأم العميق والثابت لطفلها. ويضيف:” يتداخل هذا الموضوع في جميع أنحاء السرد، مضيئاً على التضحيات التي تُقدَّم باسم الحب والأمل الذي يجلبه حتى في أحلك الأوقات”. سُمّيَ هذا العرض باسم والدة زاهي وهبي السيدة رسائل فضل الله، وهو مستوحى من تجربتها الشخصية.
“إنها المرّة الأولى التي أكتب فيها نصّاً مسرحياً، إنطلاقاً من تجربة المرحومة أمّي التي تمثّل نموذجاً لكفاح النساء اللبنانيات والفلسطينيات، وقد مزجتُ فيها بين مستلزمات النصّ المسرحي والمناخ الشعريّ عبر الاستعانة ببعض نصوصي الشعرية المتناغمة مع موضوع العرض. علماً أنني متابع جيد للمشهد المسرحي في لبنان والعالم العربي منذ عقود طويلة وسبق لي أن أصدرت كتاباً نقدياً بعنوان “3 دقّات/ بيروت على خشبة مسرح”.
الجدير ذكره أنّ العرض يضمر العديد من الرسائل في حب الأرض والوطن والحرية، مستلهماً بعضاً من الموروث الشعبي والوجداني. تقول لنا المخرجة لينا عسيران إنّ امرأة واحدة على الخشبة تُجسّد العرض وشخصيّات نساء تعرّفتْ إليهن والدة زاهي. “القصة والسرد ليسا واقعيين بالكامل، فثمة أحداث حقيقية وأُخرى اجترحناها، ارتكزتُ كثيراً على الموسيقى والصوت والأغاني، ولا سيما الأغاني الفولكلورية التي تجمع بين فلسطين ولبنان، بحُكم الجغرافيا والوجع المشترك”.
أما فراس عنداري، فسيؤدّي في حفلته محطّاتٍ من الرصيد العربيّ المقاميّ الأصيل، إضافةً إلى موشّحات وأدوار، وما يدور في فلك الموسيقى الكلاسكية العربية. يشتمل برنامج حفلته على أعمال من ألحان سيد درويش، وزكريا أحمد، وبعض القدود الحلبية، إضافةً إلى بعض أغنيات الشيخ إمام، كما يخبرنا الموسيقي الشاب. فراس مغنٍّ وملحّن يملك لغةً موسيقية معاصرة تنهل من التراث الموسيقي العربي الأصيل، وتَغْتَرف من مخزونه التاريخي، من دون الاقتراض من الأنواع الموسيقية الأخرى. درس على أيادي كبار أساتذة الموسيقى التراثية، وأبدعَ في العزف على العود وآلات موسيقية متعدّدة، وهو اليوم واحد من نخبة قليلة تصون هذا النوع من الموسيقى غناءً وعزفاً وتلحيناً وتعليماً. هدفه لا يقتصر على صون التراث الموسيقي، بل يشمل أيضاً تطوير الموسيقى العربية وتجديدها من داخلها انطلاقاً من هذا التراث. ومن هذا المنطلق أصبح بفضل تأديته المتميزة للمقامات التقليدية ولمؤلّفاته الموسيقية الخاصة حاضراً بانتظام في الحياة الموسيقية في بيروت وخارجها.
كان لفراس عنداري ذلك الحضور البارز في مهرجان “بيروت تُرنّم 2023” وفاز بمنحة الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) سنة 2022، كما شارك في برنامج Lebanon OneBeat سنة 2021، وقدّم مؤخرًا كباحث ومخرج موسيقي سلسلة برامج عن الموسيقى التراثية بعنوان “مقام ومقال” من إنتاج “مؤسسة الفكر العربي”. له متابعون كثر يتفاعل معهم ويتفاعلون معه باستمرارٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، وغالباً ما يتحفهم بغناءٍ حيّ وعزف يطرب الآذان والقلوب.
وُلد فراس عنداري في لبنان عام 1997، وبدأ بالغناء وهو في السادسة من عمره. وفي سن الـ12 بدأ بدراسة الموشّحات والقدود وأصول الموسيقى التراثية في بلاد الشام على يد الدكتور هياف ياسين، قبل أن يلتحق بالجامعة الأنطونية لدراسةِ العود بشكلٍ احترافيّ، على يد المغنّي والباحث الموسيقي المصري مصطفى سعيد.
اكتسب عنداري من سعيد مخزونًا سمعيًّا غنيًّا كان سعيد قد تعلّمه سماعًا أيضاً من شيوخ الغناء في مصر. وقد أتاح ذلك لعنداري السبيل إلى ثقافةٍ موسيقية كادت أن تكون مفقودة بسبب الطريقة التي دُوِّنت فيها الموسيقى العربية في بداية القرن العشرين التي ضيّعتْ الكثير من النغمات الدقيقة التي كانت غنيّة بها، وذلك ببساطة لأن طريقة التدوين الغربية المعتمدة لا تستطيع أن تنقل بدقّةٍ تعبير النغم الموجود في موسيقى المقام.