هل تستطيع حكومة د. جعفر حسان أن تدخلنا إلى مرحلة الانفراج السياسي والاجتماعي والاقتصادي، أو أن تطمئننا على مستقبل أفضل، أو أن تضعنا على سكة السلامة؟ حقاً لا أدري، لكنني أشعر أن الرئيس الجديد أمام تركة ثقيلة وطريق «وعر» محفوف بالتحديات والمخاطر، واستحقاقات كبيرة تحتاج لروافع سياسية واقتصادية (وطنية : أدق)، وقرارات مدروسة وسريعة، وعيون مفتوحة على كافة الجهات.
اذا افترضنا ان الإجابة غير معروفة حتى الآن، يمكن، إذن، ان نطرح سؤالا آخر: هل بمقدور أية حكومة قادمة أن تفعل ما عجزت عنه الحكومات السابقة أو لم تسعفها الظروف بإنجازه؟ ما البديل إذن.. وأين الحل؟
من تجاربنا مع معظم الحكومات السابقة، يمكن ان نتلمس إجابة واحدة وهي ان المساحات التي أتيحت لها، او التي اختارتها لنفسها، عكست نسخة تكاد تكون متشابهة، وان كان ثمة اختلاف بينها في الأداء والإنجاز فهو اختلاف في الدرجة لا في النوع، بمعنى ان الحكومات مهما اختلفت أسماء رؤسائها ووزرائها استندت الى مساطر ومعايير معروفة، وبالتالي كانت افرازاتها ونتائجها متطابقة نسبياً مع مدخلاتها وأسس تشكيلها.
لا أريد هنا ان أدخل في تفاصيل أخطاء الحكومات ( وما أكثرها..!) يكفي ان أشير الى عنوان واحد مهم، ربما كان من أهم أسباب خيبة الناس وافتقاد ثقتهم بحكوماتهم، وهو عدم تفعيل آليات «المساءلة والمحاسبة»، ولو عدت الى أرشيف تصريحاتنا السياسية، وردود حكوماتنا المختلفة، ووعود مسؤوليتنا، ناهيك عن ممارساتنا وانجازاتنا، لما وجدت لهذه القيمة ما تستحقه من ذكر، ولو حصل فمجرد إشارات عابرة لا تستند الى أي مدلول او إرادة او برامج حقيقية صالحة للتنفيذ والتفعيل.
السؤال الأهم اليوم أمام الحكومة الجديدة ؛ ماذا يريد الأردنيون؟
الإجابة تحتاج إلى نقاش طويل وعميق، أعتقد أن الرئيس الجديد يعرف جزءاً كبيراً منها بحكم خبرته الطويلة في إدارة الشأن العام، وقربه من دوائر صنع القرار، لكن المهم أن يفتح أمام الأردنيين بارقة أمل تعيد ثقتهم بالحكومة، وبقدرتها على الانتقال بهم من دائرة ترحيل الأزمات إلى إيجاد حلول لها، ومن إطار الوعود إلى الأفعال، ومن التنظير في المكاتب إلى الاشتباك مع الناس، والأهم إلى مصارحات واقعية في سياق خطط وبرامج واضحة قابلة للتنفيذ وللقياس والمحاسبة، الأردنيون يتطلعون إلى حكومة تحس بمعاناتهم، وتقدر تضحياتهم، وتضعهم على سكة العدالة والشراكة، وتقاسم المغرم والمغنم.
أعرف، مشروع التحديث بمساراته الثلاثة (والسياسي تحديداً) ما زال في مرحلته الأولى، والتجربة تحتاج إلى سنوات حتى يكتمل، والمجتمع، أقصد أغلبية الأردنيين، ما زالوا يتمنعون عن المشاركة، ويغرقون بالتفاصيل، ويتكاسرون فيما بينهم، كما أن محيطنا الملتهب، والأزمات التي تحاصرنا، تفوق إمكانياتنا وقدرتنا على بناء خيارات خاصة بنا تجعلنا قادرين على إخراج نموذجنا الذي نريده.
مع ذلك، ثمة (بناء من رحم الأزمات)، كما سبقنا الرئيس، جعفر حسان، إلى توصيف التشابك بين السياسة والاقتصاد في بلدنا، يمكن أن يكون مدخلاً للتفكير بالقادم، كيف؟ هذا يحتاج إلى نقاش عام، لكن لا بد أن نبدأ، بعيداً عن هذا التراشق والإسفاف في الخطابات، الأردن اليوم بحاجة إلى حكومة يثق بها الأردنيون، تكسر نمطية صورة الحكومات التي ألفناها، تخرج إلى الميدان بدون بروتوكولات، وتلتقي الناس وتصارحهم ( تتكلم معهم بلا تكلف) وتحاول أن تفهمهم وتحل مشاكلهم، وإلى طبقة وظيفية وسياسية تحظى باحترامهم، وإلى جماعة وطنية موثوق بها، الجميع مسؤولون عن الإنجاز والتقصير، والجميع مطالبون أن يكونوا بمستوى الأخطار والتحديات التي يواجهها بلدنا، وإلا فلا يحق لأحد ان يلوم أحداً إذا لم نتقدم للأمام.
هل ستفعل الحكومة الجديدة ذلك؟ ربما تفاجئنا وتفعل أكثر مما يتوقع البعض. قولوا : آمين.