البرلمان .. اوراق لا بد أن تلعب

عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب

كيف يمكن توظيف نجاح الإسلاميين في البرلمان وحيازتهم لنسبة كبيرة اذا ما اصطفت معهم نسبة من كل النواب او القريبين منهم، فالتوظيف هنا لغة ايجابية وليست سلبية لان في السياسية لا بد من توظيف كل متاح والممكن من أوراق.
كان الأردن بحاجة الى تعظيم أوراقه في وجه العدوان الاسرائيلي السافر الذي قام والذي يستمر ويستهدف الاردن من زيادة الاحتقان في الشارع الأردني مقابل استمرار العدوان في فلسطين وبشاعته واسلوب الإبادة الذي يقف العالم الحرّ في وجهه ويشجبه بشكل أفضل مما يفعل العرب.
أردنا أم لم نرد، تمكن الاسلاميون من الوصول الى مقاعد وفيرة في البرلمان، واعتقد أن الملك سمح بذلك، وأوصى أن لا يعترض طريقهم اي قرار أو اجراء ليكون الأردن قادراً على ان يقول لدي برلمان قادر ولدي شعب ممثل فيه
اسرائيل لا تتفوق بالأسلحة فقط، بل كانت قبل ان تتعرى في حرب الإبادة التي بدأت تمارسها كانت تزايد
بديمقراطية باعتها للعالم وبالذهاب الى صناديق الاقتراع كلما وجدت نفسها أمام آزمات، فقد ذهبت الى في عام واحدة، أربع مرات، باعتبار أن الذهاب الى صناديق الانتخاب أقل كلفة من الاحتكام الى الفوضى والعنف والسلاح.
نتنياهو يبدو لمصلحته الشخصية أنه أبطل هذه الطريقة وقلّد الأنظمة العربية.
نعود الى خياراتنا، فقد اختارت الدولة الأردنية (بيت القرار فيها) أن ينتخب الأردنيون بحرية وان تتحقق النتائج الموضوعية فكان فوز للاسلاميين بعدد وفير جعلهم يقرون بنزاهة الانتخاب وهذا هدف ليس بسيطاً.
المفترض في الحكومات البرلمانية أن الحزب الفائز وتحالفاته هو من يشكل الحكومة، ولكن يبدو ان هذه الخطوة ليست ناجزة أو جاهزة، ولذا جرت خطوة استباقية بأن كلف الملك رئيس حكومة من خارج البرلمان وبعيداً عن الاستقطاب وحتى الطبقة السياسية، وليس من هذا الفريق أو ذلك، ورمى به اليهم، فكيف سيتعامل مجلس النواب مع الرئيس الجديد؟ وهل يمكنوه من أن “يبيع” الورقة الأردنية الجديدة؟ وبيع بهذا المعنى الإيجابي، أي يوظف هذه الورقة أن أنهم سيبدأون بتقديم مطالب كثيرة وكبيرة قد تعجز حكومة “حسان” عن تصريفها وتسيليها، هذا ما سنراه في مقبل الأيام.
يمكن توظيف نجاح الاسلاميين الذين يقدمون البرلمان بصيغة أخرى الآن وبشكل آخر مختلف ويجعلون له أسناناً وإرادة وقدرة على التوزين والفرز”فالأمر بالمعروف السياسي والنهي عن الضعف والتسليم” فكيف ذلك؟ أولاً: يمكن توظيف الورقة البرلمانية في الشارع الاردني اولاً لإعادة بناء الثقة بين الشارع وتعبيراته وبين الحكومات، وهي القصة التي اضطلعت منذ فالت الحكومات للشارع، نفعل (ما نشاء وتقول ما تشاء) وحافظت على هذه المعادلة التي بدأت في ظل احتقان الشارع والاستثمار الاسرائيلي فيه بتصدير الأزمة الاسرائيلية اليه، ولهذا بدأ الشارع الأردني الآن مرتاحاً لنتائج الانتخابات، وبدأ يتطلع أن يقول للحكومة القادمة، أو ايّ حكومة قائدمة، توقفي لدينا اسئلة ونريد أن نستجوب ونحاسب.
كما انتهى زمن بيع الشعارات “غداً أجمل” أو “نخرج من عنق الزجاجة” التي لم تقم ولم يخرج منها أحد.
انتهى زمن البرلمان الذي “لا يقول زيدي في العجين، أو يسمح للحكومة أن تمشي على العجين ولا تتعثر.
أولى الرسالة المحلية تستهدف إعادة بناء الثقة بين الشارع والحكومات، وهذه الثقة تصنع مردوداً إيجابياً وتبصر المواطنيين بالضرورات الوطنية، وتجعلهم شركاء لا متفرجين، ولا أحزاب نيابية يعيدون نقاط الاخفاق، وتكون من النتائج أن قامت الثقة بتحسين الأداء الداخلي ووقف أعراض الفساد والترهل والتسيب التي كانت تجد من يبررها، وكنا نجد أن السنة البعض عليها وقلوبهم معها وبقينا نراوح مكاننا وننزف حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه.
أما الرسالة الثانية فهي للمحيط العربي واكثره متصحر من الديمقراطية وتزعجه التجارب الناجحة، خاصة إذا الآن فيها أو منها الاسلاميين، ولدينا في ذلك تجارب ما زالت محفوظة في الأذهان حتى قام برلمان 1989، وقد أخرج الملك الراحل المعارضة من السجون الى قبة البرلمان، وكانت كلمات مثل عيسى مدانات ويعقوب زيادين وحتى البعثيين والشيوعيين عالية ومسموعة تحت القبة، وأفزعت أطرافاً كثيرة اعتبروها “رياح سموم” تهب وتؤثر، فعملوا كل جهدهم لوقفها واتقائها ودفع ما يمكن دفعه في سبيل ذلك، وقد انكسرت تلك الموجة بعد ذلك في الانتخابات اللاحقة واختيار الصوت الواحد، وخسرنا دوراً كبيراً في امتلاك نموذج للتغيير، مكن ان يراه عالمنا العربي، لقد كان الأردن في الصدارة وكان يُخشى منه ويحسب ويسحب لنهجه حسابات ولا يتجاوزه الراغبون في التجاوز.
لقد جرى توظيف تلك الورقة الأردنية لعمر قصير للأسف.
ثالثاً: يمكن توظيف الورقة البرلمانية وزخمها أن تمكنا من ذلك في مواجهة الهجمة الصهيونية البشعة على حقوقنا والسيادة والوصاية على المسجد الأقصى، وهي الوصاية التي ما زالت اسرائيل لا تحترمها، ووصل بها الاستخفاف بها كثيراً حين مُنع سفيرنا لدى الاحتلال من زيارة الأقصى واعتراضته دون أن يكون ردنا كافياً، هذا البرلمان لن يصمت في اعتقادي عن الانتهاكات الاسرائيلية في القدس والمسجد الأقصى واستمرار الاعتداء عليه، ولا بد ان تكون رسالته واضحة ولن يتكرر الزمن الذي قتل منه أردنيون في سفارتها في عمان ويكافئهم رئيس الوزراء نتنياهو على افعالهم كما تقتل قاضي اردني أعزل على جسر الملك حسين بدم بارد ويحفظ ملف قتله، لا بد أن ينتهي ذلك الزمان وأن يبدل بزمن آخر تعرفه اسرائيل وتحسب حسابه وهي تسلم جثمان المواطن الأردني ماهر الجازي. لقد سجن الدقامسة عشرين عاماً لمقتل اسرائيليات في حين لم يسجن قاتل الأردنيين في السفارة يوماً واحداً، انتهى ذلك الزمن لا بد أن ينتهي.
لا أريد أن أفتح جراحاً أو أدخل من باب المزايدة، ولكن الخيار الملكي يكمن في مجلس الأمة ليكون على هذا النحو، “قطع كلام كل خطيب”.
فنحن لسنا حيطاً واطياً ولا خاصرة… وإنما أجسادنا دماء حقيقية عبر عنهما الملك في مناورة “سيف الكرامة” ومناسبات اخرى، ولن يستطيع الاسرائيليون .. عودنا وسيجدون أن عظمنا ازرق، ولا يقعقع لنا .. ونرد بمقولة وزير الخارجية أيمن الصفدي، أفضل المترجمين للتوجه الملكي بقوله ان “سياسة تهجير الفلسطينيين من بلدهم الى الأردن .. اعلان حرب”، ولتستعد إذن ولنعظم عوامل الردع.
وسيطالب البرلمان بوقف الحرب العدوانية على غزة، والا فإن الأوراق ستخرج من الأدراج وتعرض، ويمكن اللعب الرابح بها، وهذا يعتمد على السياسة الاسرائيلية القادمة التي عليها ان تقرأ وتنفذ المتغيرات وان ترفع الأصابع من الاذان، وان تدرك أن غزة لن تبقى وحدها وأن الشعب الفلسطيني جزء من امته وسيبقى على ترابه الوطني، وان للصبر حدودا وللكرامة متطلبات نعرفها ولا يعرفونها.
رابعاً: رسالة الى حلفاء اسرائيل وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي تعتبر “صديقة” للأردن بأننا اخترنا طريق الديمقراطية وصناديق الاقتراع، وان صوت شعبنا خلف قيادته سيأتي واضحاً لا لبس فيه، ولن يكون هناك متطوعين لانقاذ سياسات العدو او رغباته ولن تطربنا النغمة الامريكية المنحازة المتماهية في الموقف والعدوان الاسرائيلي، وهذه الرسالة موجهة ايضاً الى حلفاء اسرائيل الآخرين في العالم وخاصة الغرب، كما على الأحزاب والقوى ومؤسسات المجتمع المدني الغربية المنحازة لاسرائيل أن تقرأ جيداً التحولات في العالم العربي والتي تعكس فشل استمرار سياسة نفخ البالون والحفاظ عليه في نفس الوقت وهي السياسية التي يمارسها باسم الادارة، وزير الخارجية الامريكي بلينكن في زياراته المكوكية التي يلعب فيها دور “الحجاز” العامية، الذي يمسك الضحية لتضرب ويترك المجرم ليقوم بافعاله.
لن نمسك من يدنا التي تؤلمنا حين كنا نعتقد في العالم العربي أن اسرائيل، هي الديمقراطية الوحيدة لان فيها برلمان منتخب وقوي ونستطيع أن نتحدى الان الولايات المتحدة لتدرك انها تستطيع ان تخاطب برلماننا كما فعل الرئيس كلينتون ولكن بلغة اخرى مختلفة
ما لا بد أن نحافظ على مصالحنا.
نعم نستطيع أن نوظف الطاقة الإيجابية لبرلماننا الجديد وان نوصي باحترام الحكومات له وتدريبها جيداً لتصمد امامه وتحسب له الحساب، فلم تعد فيه لها قمرة وربيع ووعود لا تصل.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري