تعد مناقشات مشروع قانون الموازنة أحد أبرز العناوين المعنية بالشأن الاقتصادي التي تواجه مجلس النواب كل عام. فالموازنة ليست مجرد وثيقة مالية بل هي الإطار التنفيذي الذي يحدد أولويات الحكومة في الإنفاق وتخصيص الموارد، ودور مجلس النواب في مناقشة وإقرار الموازنة أمر محوري لضمان تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. إلا أن فعالية النقاش النيابي تتأثر سلبا عندما يتحول التركيز إلى المصالح المناطقية والفردية على حساب المصلحة الوطنية.
تقليديا، تبدأ آلية مناقشة الموازنة عندما تقدم الحكومة مشروع القانون إلى مجلس النواب، حيث تتولى اللجنة المالية دراسة المشروع بالتفصيل قبل عرضه على الجلسة العامة، وهنا يبدأ النقاش التقليدي بين النواب، حيث يعرض كل نائب مطالب منطقته ومحاولاته للحصول على أكبر قدر من التمويل والخدمات لمصلحته المحلية. إن هذا النمط من النقاش يقف عائقا أمام تحقيق الأولويات الوطنية الكبرى، حيث تهمل أحيانا القضايا الإستراتيجية التي تهم الاقتصاد الوطني بأكمله.
من هذا المنطلق، يفترض أن يكون للأحزاب دور محوري وبالغ الأهمية في تحويل النقاش النيابي من فردي إلى جمعي. فمن خلال تقديم برامج اقتصادية واضحة ومتكاملة، يمكن للأحزاب توجيه النقاش نحو القضايا الوطنية الكبرى مثل محاربة البطالة، تقليص العجز في الموازنة، وتحفيز الاستثمار، وبدلا من التركيز على قضايا محلية صغيرة، يمكن للنواب، من خلال إطار حزبي موحد، أن يعملوا على تحقيق أهداف إستراتيجية تخدم مصلحة الدولة ككل. كما أن وجود أحزاب قوية يعني خلق كتل برلمانية تسهم في تحسين جودة النقاش وتحقيق التوازن بين احتياجات المناطق والأولويات الوطنية.
إضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز دور الرقابة البرلمانية من خلال وضع مؤشرات أداء وقياس واضحة وقابلة للتنفيذ، فهذه المؤشرات، التي قد تشمل معدلات النمو الاقتصادي، تحسين الخدمات العامة، أو تخفيض معدلات البطالة والفقر، تتيح للنواب متابعة الأداء الحكومي على أسس موضوعية. كذلك، فإن هذه المؤشرات تساعد على تقييم مدى فعالية تنفيذ الموازنة على مدار عمر المجلس (4 سنوات) بشكل دوري، مما يسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة.
يمكن القول إن النقاش الفعال حول الموازنة يجب أن يتحول من نقاش فردي يركز على المناطقية والمصالح الشخصية إلى نقاش جمعي يعكس المصالح الوطنية الكبرى. لتحقيق ذلك، ينبغي تعزيز دور الأحزاب السياسية وتبني مؤشرات أداء واضحة تسهم في توجيه النقاش وتحقيق أهداف ملموسة تسهم في تقدم الأردن اقتصاديا واجتماعيا.