الكاتبة: سكينة الفالحي
تمنحك التجربة أمراً -لنقل درساً -تلتقطه الذاكرة كشعور وهذا الذي يعقد المواقف المشابهة فيما بعد إذ أنك لن تتعامل معها من ذاكرة تجربتك بل من ذاكرة شعورك وهو أمر تلقائي إذا لم تنتبه له فوراً ربما تحصل على نتيجة سابقة لم تكن ترضيك و يجعلك فريسة للتساؤل الصعب: لماذا أقع في الأمر ذاته؟
الحياة بمنظورها تعتبرنا لعبة تسير بنا يمين وشمال لتجعلنا نتأقلم مع جميع البشر حتى هؤلاء ممن يعتبرون ان البشر عبيد لديهم و سخرهم القدر لمنحهم الراحة التي يفتقدونها , بينما يفتقدون الأهم و هي الاخلاق .
لم يكن خطؤك ناتج عن نقص معرفة، كنت تعرفني جيداً، هذا ما تؤكده أنت كلما حاولت أنا شرح أمر عني، تقاطعني على الدوام أنك تفهم وأنك تعرفني بشكل قاطع.
إذاً أين ذهبت معرفتك تلك مع هذا العدد الكبير من الأخطاء؟ هل تريدني الآن أفهم أنك لم تكن تعرف أم أنك تعمدت الخطأ لأنك حقاً لا تهتم؟
لكل شعور طريقة استعمال فلا يمكنك استخدام الغضب تعبيراً عن الحب ولا الكراهية تعبيراً عن الخوف، إما أن تستعمل الشعور بطريقته الصحيحة وإما أن تحتمل سوء الموقف وتداعياته.
ربما وفي احيان كثيرة يتخلل حبك (الثابت) لأحدهم غضب طفيف، غيرة هوجاء، ندم خفي، وخيبة خجولة تمتزج مزج الطلاء بالفراشي داخل لوحة حبك فتلطخها فبعض المشاعر لا تنفي بعضها بعضًا
لا أدري كيف تصبح بعض اللحظات مسالمة للغاية مع شخص لا أستطيع التفاهم معه في أي فكرة أو قضية أو ميول، لا أدري كيف حين نصمت ونطالع لبعضنا نجد الكثير، الكثير جداً مما يستحق و يضن انني مسالمة يزداد هذا الكلام وجاهة حين نكتشف التشابهات بين الأسس الفلسفية و نقارنها بالليبرالية الجديدة -وهي ليست بالكثيرة- وبين فلسفة نيتشه في رؤية كلا الطرفين للطبيعة الإنسانية والأخلاق والتاريخ وحتى لسلطة الدولة وفكرة المجتمع، نندهش من حجم المشترك الفلسفي المرعب بين الجانبين، حيث يرى الفيلسوف والاقتصادي النمساوي فريدريك فون هايك -المُنظِّر الأهم لليبرالية الجديدة وأستاذ ميلتون فريدمان- في كتابه “دراسات في الفلسفة والاقتصاد” “أن الطبيعة الإنسانية مُبهمة وغير محددة، وأنها في حالة تشكّل دائم لا ينقطع، وهي تترك المجال مفتوحا لأي تغيير، وفي اتجاهات لا يمكن التنبؤ بها سلفا، وباستثناء العوامل البيولوجية والفيزيقية لا توجد ماهية ثابتة للإنسانية ولا لحدودها”، بينما أكثر عبارة ظل يرددها الفيلسوف في غالبية كتبه هي: “الإنسان وهم لا بد من تجاوزه”، فمقولة الإنسان والإنسانية عند نيتشه هي فكرة ميتافيزيقية-دينية محضة من بقايا المسيحية في الوعي الغربي وتُخفي خلفها نزعة لإرادة السيطرة والقوة، وعلى البشرية أن تتحرّر من هذا الوهم تماما وتُعلن إرادة القوة وقوة الإرادة، كحكم وحيد على نظام العالم، فيرفض هايك وجود أي مفهوم سابق للإنسان، ويرفض نيتشه مقولة الجوهر الإنساني كمصدر للوعي والأخلاق ويعتبرها مجرد وهم مسيحي ونرجسية أوروبية
الإنسان وقت ضعفه بالذات يكون في أمس الحاجة لمن يحب، إذا لم يجده معه و لم يشعر بمساندته و لا حتى باهتمامه إذا ماهو الشعور الذي يتقاسمه معه و ما أهمية بقاءه ولماذا حقاً سيحافظ عليه؟
إذا تصورنا أن المغلوبين على أمرهم، والمظلومين، والمعذَّبين، والمقيَّدين، وغير الواثقين من أنفسهم، والذين يحسون بالعناء من أنفسهم؛ إذا تصورنا أن هؤلاء قد وضعوا نظامًا أخلاقيًّا، فعلى أي نحوٍ يكون العنصر المشترك بين تقويماتهم الأخلاقية؟ الأغلب أنهم سوف يعبِّرون عن تحدٍّ متشاءم لموقف الإنسان بوجه عام، وربما حملوا على الإنسان ذاته في حملتهم على موقفه.
فنظرة العبيد لا ترضى بفضائل الأقوياء، بل نلمس فيها نوعًا من الشك وعدم الثقة، والعمق في العداء لكل ما تُبجِّله أخلاق الأقوياء وتعدُّه «خيرًا»؛ وربما أقنع المرء نفسه بأن سعادة هؤلاء الأخيرين ليست سعادة حقيقية بدورها. وعلى العكس من ذلك، يُلقَى ضوء ساطع على كل الصفات التي تصلُح لتخفيف أعباء الحياة عن عاتق المعذَّبين، فتمجِّد الشفقة، واليد المُعِينة المنقذة، والقلب الرؤوف، والصبر، والجد، والتواضع، والتزلُّف؛ ذلك لأن هذه هي أكثر الصفات مجلبةً للنفع، وتكاد تكون هي الوسيلة الوحيدة للتخفيف من وطأة الحياة؛ فالتعامل مع النفس البشرية التي تنقسم لأشخاص يجمعهم الغضب ويفرقهم المعنى وأتعامل مع الحياة التي تعود لي وتهرب مني كرحلة لا تكرر نفسها ولكن تواصل بث وقائعها وأحداثها وكأنها تعرض فيلما سينمائيا تحرقه التراجيديا.
من وجهة نظري تغمني هذه الحياة غير المستقرة، كل يوم تأخذ الاضطرابات تفكيري، كيف أصبح أكثر هدوء، كيف أحل المشكلات كيف أعتني بنفسي، ربما كيف أحب وكيف أنجح في كل ذلك؟
أضع هذا القلق اليومي جانباً فأنتبه لانتهاء اليوم دون شفاء من هذه المتاعب كنت أرى بوضوح ندوب روحه و لكن لا أستطيع الحديث عنها أمامه و أنا أراه يبذل جهوداً قاسية لتلافي ظهور جراحه على السطح، لأن يختلف صوته و تمتلئ عيناه بالحكاية كاملة، أردت أن أخبره أني أعرف، ربما لا أعرف الأحداث و التفاصيل الدقيقة بينها و لكني أعرف، أعرف و أهتم , هدأة تعم المكان و ضجيج يرهق النفس، أفكر ما الذي يحدث في حياتي، و لماذا علي مجابهته؟
أتنهد، طوال العمر تحدث الأمور التي لا أعرف لماذا حدثت، هل بسبب عيوب شخصية؟ هل هي مجرد حتمية؟ هل على علاج كل هذا، أو اختيار شيئا منه، أتنهد، وتتراءى لي أخطائي، آلامي، جراحي، والفرص.
بينما يبقى السؤال المطروح كيف تتخيل لحظتك السعيدة القادمة هل بالحصول أو بالانفكاك؟