الأردن.. والتعافي من الأزمات* سميح المعايطة

الدول مثل الأفراد لهم سيرة لا يمكن فهم طبيعتهم أو معادلتهم الا بدراسة تلك السيرة والتاريخ، ولعل البعض ممن لا يقتربون من التاريخ والسيرة الذاتية لهذا البلد يصيبهم القلق والبعض يحب المبالغة في القلق لأسباب أخرى، لكن مسيرة الاردن واضحة ويمكن لكل موضوعي ان يقرأ منها معادلة القادم مهما كان صعباً.

والدول مثل الافراد أيضا في تقلب المراحل عليها من ضيق إلى انفراج، ومن قلق إلى ارتياح، وبعض المناطق مثل اقليمنا الأكثر قلقاً وازمات وحروباً، ولا يمكن لأي دولة ان تحصل على «فترة سماح» من الازمات في هذا الإقليم، وأصبح المسار الطبيعي الانتقال من ازمة إلى أخرى ومن قلق إلى حرب مع اختلاف في حجم كل ازمة ونوع القلق في كل مرحلة.

ولهذا فإن المعيار الذي يحكم دول الإقليم ومنها الاردن ليس وجود ازمات ام لا، لأن الجغرافيا تفرض علينا قدراً لا يمكن تجنبه من الأزمات والحروب والقلق، لكن المعيار هو القدرة على عبور أي مرحلة قلق او ازمة تكون في ساحتك وداخل دولتك او حولك هو تجنب السقوط وبخاصة ان تاريخ المنطقة يقول ان اي ارباك واهتزاز تمر به اي دولة ينتج قائمة جديدة من الخصوم وعدداً لم يكن متوقعاً من السكاكين التي تريد المشاركة في التقطيع.

والمعيار الآخر قدرة الدولة على اقتناص اي فرصه للتعافي من اي ازمة ومحاولة التخلص من آثارها السياسية والاقتصادية والامنية، وان لم يكن ممكنا التخلص من كل الآثار السلبية فعلى الأقل معظمها، والاردن دولة لا تغرق في التباكي في كل ازمة لكنها تملك قيادة تحاول دائما فتح أبواب الحلول وتخفيف آثار الازمات والذهاب إلى مسار التعافي كليا او جزئيا.

اليوم مازلنا في مرحلة العدوان على غزة التي اهم آثارها السلبية على القضية الفلسطينية، كما انها قتلت على يد حكومة نتنياهو اي فرص لسلام معقول بين إسرائيل والفلسطينيين، وحتى السلام مع العالم العربي فإن ما تسعى اليه إسرائيل من فك الارتباط بين علاقاتها العربية والقضية الفلسطينية لم يعد ممكناً.

وعلى الصعيد الدولي فإن هذه المرحلة قلصت الاختلافات بين الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة، فما قدمته إدارة بايدن لإسرائيل من دعم شامل خلال فترة العدوان على غزة ربما لن تقدمه إدارة يحكمها ترامب.

ومن يتحدثون عن المرحلة القادمة وما هو متوقع اذا ما فاز ترامب في الانتخابات وأثر هذا على الاردن فإن عليهم ان يتذكروا ان المشكلة الكبرى مع ترامب كانت في تعامله مع القضية الفلسطينية ومشروعه صفقة القرن، لكن ما فعله الديمقراطيون بقيادة بايدن لم يكن في جوهره اقل من صفقة القرن مع اختلاف في اللغة السياسية. أما الملفات الثنائية بين الاردن وأميركا فانها في عهد الديمقراطيين او الجمهوريين تتم وفق ذات المعادلة.

ولو نظرنا إلى علاقات بعض الدول العربية مع أميركا فإن ترامب هو المفضل لانه الافضل لمصالحها، ولهذا فإن فوز ترامب ليس دخولاً في عالم المجهول أو بوابة جهنم على الأردن وبخاصة ان الاردن أدار علاقته مع ترامب في فترة طرح صفقة القرن بقدرة عالية حافظ فيها على مواقفه من جهة ومصالحه من جهة أخرى.

وما دمنا نتحدث عن التعافي فإن الاردن بدأ مساراً منذ الشتاء الماضي في محاولة التعافي من آثار العدوان على غزة، تعافٍ لا يمس بدعمه ووقوفه إلى جانب الأشقاء ولا بصلابة موقفه من الاحتلال بل تعافٍ يحفظ مصالح الدولة ومسارها الطبيعي اقتصادياً وداخلياً وسياسياً، والبحث عن أي مسار يخفف على الدولة من آثار الحرب، ولهذا نجد السعي في كل الاتجاهات ونجد انفسنا بعد غد نجري انتخابات نيابية ونحافظ على جوهر المشروع السياسي للدولة.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري